التطور التعليمي في أوروبا

نشر في 14-02-2014
آخر تحديث 14-02-2014 | 00:01
يبدو أن الزعماء الأوروبيين يدركون قيمة السعي وراء المعرفة، فعند تخصيص الأموال في الميزانية الأوروبية للفترة 2014-2020، اتخذت حكومات الاتحاد الأوروبي قراراً حكيماً يقضي بزيادة تمويل التعليم والبحث العلمي- البندين الوحيدين اللذين شهدا زيادة الميزانية.
 بروجيكت سنديكيت تتصارع أوروبا مع تحديات كبرى- أكبر من تتمكن أي دولة منفردة من التصدي لها، ففي مواجهة الأزمة الاقتصادية، والبطالة المنتشرة، وارتفاع حِدة المنافسة من قِبَل الاقتصادات النامية، يتعين على أوروبا أن تتكيف مع التطورات التكنولوجية والأنماط الجديدة للعمل- وكل هذا في حين تفرض الشيخوخة السكانية ضغوطاً متزايدة على الموازنات العامة المنهكة. وفي هذا السياق الهش، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يركز على التعليم من أجل تربية مواهب الناس وإمكاناتهم، وبالتالي تحفيز التعافي الاقتصاد والاجتماعي.

والتعليم هو المفتاح ليس لتأمين وظائف أفضل ونمو أقوى للناتج المحلي الإجمالي فحسب، بل أيضاً لتحقيق التنمية الثقافية والسياسية والاجتماعية المطلوبة لضمان تأسيس وتجهيز المواطنين بالقدر الكافي لتمكينهم من القيادة على المستويات المحلية والوطنية والدولية. وبالتركيز على السياسات الصحيحة، يستطيع زعماء الاتحاد الأوروبي أن يضمنوا تمكين الأوروبيين من خلال التعليم من الظهور كمواطنين عالميين فصيحين وفاعلين بقوة على الصعيد الاقتصادي.

ويبدو أن الزعماء الأوروبيين يدركون قيمة السعي وراء المعرفة، فعند تخصيص الأموال في الميزانية الأوروبية للفترة 2014-2020، اتخذت حكومات الاتحاد الأوروبي قراراً حكيماً يقضي بزيادة تمويل التعليم والبحث العلمي- البندين الوحيدين اللذين شهدا زيادة الميزانية. ولابد أن ينعكس هذا الالتزام بحماية تمويل التعليم والبحث العلمي على مستويات صنع السياسات كافة.

وعلاوة على ذلك، يتعين على صناع السياسات من أجل دفع التحول في أوروبا إلى مركز للإبداع والإنتاج المسؤول أخلاقياً أن يضمنوا حرص مؤسسات التعليم العالي على تزويد الطلاب بأحدث المعارف المتطورة ومستوى رفيع من المهارات المرنة التي ترتكز إلى قيم مشتركة. وهذا يعني تطوير أنظمة تعليمية متباينة، تتراوح بين المدارس المهنية إلى برامج الدكتوراه، ومنح الطلاب القدرة على الوصول إلى الخبرة الدولية الكفيلة بتعريضهم للفرص خارج الحدود الوطنية.

على سبيل المثال، يعمل "برنامج إيراسموس"، الذي يمكن طلاب الجامعات من الدراسة أو العمل في الخارج كجزء من درجاتهم، على توسيع آفاق المشاركين وتعزيز استعدادهم وقدرتهم على الذهاب إلى حيث تتوافر الوظائف. وتعمل مثل هذه البرامج أيضاً على إثراء الطلاب المحليين وتقديم معلومات قيمة للأساتذة الجامعيين حول تقاليد التعليم العالي الأخرى.

وعلاوة على ذلك، يتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي أن يدركوا أن التعليم العالي الجودة لا يقل أهمية بالنسبة للجامعات عن ريادة الأبحاث على سبيل المثال. وفي حين يتفق الجميع على أن الباحثين يحتاجون إلى تدريب مكثف، فإن الافتراض السائد هو أن المعلمين العظماء يولدون معلمين عظماء وأن التعليم يحدث تلقائياً- وهي النظرة التي تعوق التعليم على المستويات كافة.

ويشكل هدف تحسين جودة التدريس في التعليم العالي مركز اهتمام "التقرير الأول" المقدم إلى المفوضية الأوروبية من قِبَل المجموعة الرفيعة المستوى المعنية بتحديث التعليم العالي (والتي أتولى رئاستها). ومن بين توصيات التقرير الست عشرة تأتي أهمية تطوير جودة التدريس من خلال التدريب المهني المستمر الإلزامي والاعتراف بالإنجازات ومكافأتها. وهذا النهج من شأنه أن يمنح القائمين على التعليم المهارات والحوافز التي يحتاجون إليها لتوفير ذلك النوع من التعليم الذي تحتاج إليه أوروبا.

وهناك قضية أخرى بالغة الأهمية- وموضوع التقرير التالي للمجموعة- تتعلق بالأنماط الجديدة من سبل تقديم الخدمات التعليمية، مثل "المقررات الشاملة والمفتوحة على الإنترنت" MOOCs. والواقع أن البعض يزعمون أن ثورة في طريقة اكتساب المعرفة وكيفية خلق المعلومات ونقلها باتت وشيكة الآن.

وفي حين تعمل هذه الأساليب الجديدة في تقديم الخدمات التعليمية على تحويله بلا أدنى شك، خصوصاً التعليم العالي، فإن ما يحدث قد يكون أقرب إلى التطور وليس الثورة. بعبارة أخرى، بدلاً من وضع نهاية للتعليم التقليدي فإن "المقررات الشاملة والمفتوحة على الإنترنت" (موكس) وغير ذلك من الإبداعات سوف تحفز تطور ما يسمى التعليم "الإلكتروني والتقليدي". ويشير هذا إلى أن توصيات المجموعة في هذه المنطقة سوف تستحث تحسينات تكميلية للأنظمة الرسمية وغير الرسمية القائمة، فضلاً عن آليات إحياء التعليم مدى الحياة في التعليم العالي.

وبالنسبة للطلاب فإن أساس النجاح لابد أن يُرسى في وقت مبكر، بدءاً بالتعليم ما قبل الابتدائي والتعليم الابتدائي. وينبغي لصناع السياسات أن يدركوا حجم الخطر المتمثل في إدامة الانقسام الرقمي الذي يحابي أولئك الأكثر حظاً بالفعل. وتشير الدراسات على سبيل المثال إلى أن الغالبية العظمى من المشاركين في نمط "المقررات الشاملة والمفتوحة على الإنترنت" MOOCs- التي أشيد بها بسبب القدرة الكبيرة المفترضة على الوصول إليها- يتمتعون بالفعل بمؤهلات التعليم العالي. ويتعين على زعماء أوروبا أن يعملوا على ضمان ترجمة هذه الأنماط الجديدة من تقديم الخدمات التعليمية إلى فرص أفضل لطائفة أوسع من الناس.

إن وتيرة ونطاق التقدم التكنولوجي تجعل توقع التطورات الوشيكة، والكيفية التي قد تؤثر بها على التعليم، أمراً شبه مستحيل. ولكن بصرف النظر عن التقنيات الجديدة التي قد تنشأ، فإن التعليم سوف يختزل في المعلمين والطلاب. ويُعَد توفير الأدوات والفرص التي تدعم تطور أدوار كل من الجانبين ضرورة أساسية لخلق قوة عمل قادرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه أوروبا.

ماري مكاليس

* رئيسة أيرلندا سابقاً ورئيسة مجموعة الاتحاد الأوروبي رفيعة المستوى المعنية بتحديث التعليم العالي

«بروجيكت سنديكيت/ عالم أوروبا» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top