نعيش هذه الأيام قلقاً متزايداً بسبب تطورات الأحداث الميدانية في العراق، بواعث هذا القلق نابعة من أسباب لا يمكن تجاهلها أو التقليل منها، أولها الانهيار المتسارع للقوة الأمنية العراقية كما حصل في محافظة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، وتنامي الموجة الراغبة في تغيير موازين القوى لمصلحة المهمشين في العملية السياسية وبعض الأطراف التي تحلم باستعادة سيطرة حزب البعث لمقاليد السلطة، وأخيراً الطرف الظاهر الذي استأثر بالصورة الإعلامية للمقاتلين الذين يسعون إلى بناء دولة الخلافة على أجزاء من العراق وسورية.

Ad

السبب الثاني هو استمرار حالة الاهتزاز والمراوحة في الموقف الأميركي، ليس فقط في العراق إنما في أغلب المناطق التي كانت واشنطن تلعب فيها دوراً أساسياً، رأينا ذلك في سورية ومصر وليبيا ومنطقة الخليج العربي، ومن الواضح أن الكثير من تلك الدول قد حسمت أمرها في بناء تحالفات وتوازنات مؤقتة لحين رحيل الرئيس الضبابي وسياسته التهاونية الانسحابية، وقدوم من هو أشجع منه لمواجهة التبدلات السريعة في تلك المناطق، وكذلك في الباحات المحيطة بروسيا المستأسدة.

السبب الثالث وهو علة العلل، يتمثل بعدم مواكبة الحكومة الكويتية لما يحصل في العراق على صعيد طمأنة الرأي العام المحلي بعدم وجود خطر خارجي يهدد أمن البلد واستقراره، وكذلك إحكام السيطرة الأمنية على العناصر التي تمثل الحاضنة الصريحة للعمليات الإرهابية، لقد جربت الكويت الصغيرة المساحة حالة الهلع العام من جراء سقوط صاروخ في البحر قرب واجهة أحد المجمعات التجارية، فكيف يمكن التعامل مع من يخلط الجد بالهزل، ويحاول تسويق مدى انتشار "داعش" وقوتها في الكويت؟ إن محاولة التهوين من الآثار التي يمكن أن تصيبنا قد تكون مقبولة لو أخذنا الجغرافيا بعين الاعتبار، وحصرنا الخطر في الخارج، ولكن على أي أساس أو منطق يرد من يهون من وجود الخطر الداخلي، وهو بالمناسبة ليس فقط عمليات تفجيرية إنما قد يتمثل بانتشار حالة من الذعر لو وصلت "داعش" إلى شمال مدينة بغداد؟

والناس هنا ليسوا على قدر واحد من الاستيعاب أو القدرة على تحمل "أطنان" الإشاعات، والخوف كما معروف ينتشر كالوباء الفتاك، والكويت بلد يحتضن عشرات الجنسيات ومئات الآلاف من الوافدين، وهؤلاء قد يقعون في فخ تصديق الأخبار المضخمة أو "الزن" العائلي الخارجي الذي يطالبهم بمغادرة الكويت مؤقتاً.

في الختام ليس هناك ما يبعث على الاطمئان من الخطر الخارجي سوى تشابك المصالح الدولية والعراقية الذي يجعل من "داعش" عدواً مشتركاً يجب القضاء عليه فوراً، ولعل خبر "ابتعاد أو إبعاد" نوري المالكي عن رئاسة الحكومة العراقية سيكون بمثابة بداية النهاية للكثير من التحالفات التي نشأت ضده تحديداً وزوال خطر "داعش"، وهذا ما يهمنا، أما بقية المكونات من ثوار العشائر وأي ناقم على سياسات حكومة المالكي الطائفية فلهم وللحكومة الجديدة فرصة جديدة لتسوية البيت العراقي وترتيبه على الشكل الذي يضمن استيعاب الجميع، والانتقال بالعراق إلى مرحلة البناء والاستقرار.