يرى الناقد طارق الشناوي أن طبيعة المجتمع تغيرت وأصبح استخدام الألفاظ القبيحة أمراً عادياً في الحياة اليومية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي نقلت السينما الواقع بسلبياته، وقد سبقتها الدراما التلفزيونية في ذلك للأسف.

Ad

يضيف: {لا مبرر درامياً للإفراط في هذه الألفاظ ولا توجد قصة من الأساس، إنما الاستخدام هو الهدف بحد ذاته، ثم طبيعة المشاهد تغيرت وتعبر غالبيتها عن شريحة تستخدم هذه الألفاظ بشكل طبيعي وترغب في سماعها، فلبى صانعو هذه الأفلام رغبة الجمهور}.

 وعن تغاضي الرقابة عن مثل هذه الألفاظ يوضح الشناوي أن سقف الممنوعات ارتفع نتيجة تغير المجتمع الذي بات يتقبل مثل هذه الألفاظ.  

تقاعس وتغاضي

تبدي الناقدة ماجدة موريس دهشتها من تقاعس جهاز الرقابة عن القيام بدوره في مواجهة فوضى الألفاظ والإيحاءات، لذا تحولت إلى ظاهرة خطيرة تنذر بفساد جيل كامل إن لم نتحرك لمواجهة ما يتم تقديمه على شاشة السينما.

 تضيف أن ما يحدث هو مخاطبة بعض المنتجين فئة معينة من الجمهور، تحديداً المراهقين وأبناء الطبقة المتدنية اجتماعياً وثقافياً وتقديم ما يناسبهم من رقصات وألفاظ وإيحاءات، من دون النظر إلى فن أو قيمة، المهم الإيرادات، ولكن مثل هذه الأفلام لن يذكرها التاريخ إلا بكل سوء لأن تأثيرها على الشباب سيمتد لأجيال.

 توضح موريس أن ظهور شخصية البلطجي في البيئة التي ينتمي إليها، ثم انتقال هذه النماذج إلى السينما والتلفزيون، سمحا لمثل هذه المفردات بالظهور بهذا الكم المؤسف، وأصبح جمهور السينما في معظمه من هذه النوعية، ما سمح للمنتجين الباحثين عن الربح السريع باستغلال الموقف وتقديم هذا الاسفاف قبل تغير الأمور وعودتها إلى طبيعتها.

بدورها تؤكد الناقدة ماجدة خيرالله أن طبيعة المجتمع تغيرت وكذلك طبيعة الجمهور، وباتت هذه الألفاظ عادية، ولكن الأزمة ليست هنا، بل في الهدف من استخدام الألفاظ وإظهار الراقصة أو البلطجي...

تضيف: {مثلا أفلام سامية جمال وفريد الأطرش تدور في كباريه ومليئة بالرقص، وكثيراً ما أدى فريد شوقي دور البلطجي وظهر في معارك بالأسلحة ولم نرفضها. تكمن الأزمة في أفلام اليوم باستخدام ألفاظ جنسية بهذه الطريقة، ثم للمستوى الفني علاقة أيضاً، فقد تغاضينا عن بعض الألفاظ في سينما يوسف شاهين وصلاح أبو سيف، لأنها تتمتع بمستوى فني يجعلك لا تتوقف عند مشهد أو لفظ، أما ما نراه اليوم فلا مستوى فنياً وأخلاقياً فيه}.

تحمّل خير الله الجمهور مسؤولية انتشار هذه الألفاظ ونجاح هذه الأفلام، بسبب إقباله عليها وتحقيقها إيرادات عالية، في حين لم يقبل على أفلام جيدة مثل {عشم} و}الشتا اللي فات}، بالتالي شجع منتجي الأفلام المسفة على الاستمرار، وتقديم كل هذه البذاءات، {كان يفترض بالجمهور مقاطعة هذه الأفلام بدلا من الإقبال عليها، فأي منتج يجد هذا النجاح، من الطبيعي أن يكرره، تلبية لرغبة الجمهور والبحث عن مزيد من الربح.

في السياق نفسه ترى الناقدة خيرية البشلاوي أن ما نراه على شاشة السينما هو نتاج تعليم سيئ وإعلام فاسد، أدى إلى تشوهات ثقافية واجتماعية وأخلاقية في المجتمع، {وهذا ما نراه في السينما اليوم، جمهور يريد نوعاً محدداً من الفن السيئ ومنتج يلبي طلبات الجمهور من دون الاهتمام بفن أو قيمة، حتى النقد والهجوم لا يعنيانه بقدر ما يعنيه شباك التذاكر}.

ترفض البشلاوي أي دور للرقابة في هذا الأمر وتؤكد أنه لا بد من أن يكون الرفض من الجمهور ذاته، {لا نحتاج إلى وصي ليحدد لنا الجيد من السيئ}، مطالبة بتدخل الدولة ليس بالمشاركة في الإنتاج في فيلم سيئ مثل «%8» بل بدعم السينما المستقلة وتسهيل الإجراءات والتراخيص، وسن قوانين تدعم الصناعة، ليتمكن المبدع الحقيقي من تقديم فن جيد، حينها سينتهي هذا الإسفاف ويكون أمام المتفرج بديل جيد يقبل عليه.

 

لكل عصر فن

لا تتعجّب الناقدة حنان شومان من كم الألفاظ والإيحاءات الجنسية في أفلام العيد، معللة ذلك بأن لكل عصر فناً يعبر عنه، ويعكس «القشاش» و»عش البلبل» ما هو موجود فعلا في المجتمع، من قبح وانحدار في الذوق العام والأخلاق.

تضيف: «كباريه سامية جمال وفريد الأطرش كان مناسباً لزمنهم، واليوم كباريه سعد الصغير ودينا والليثي مناسب لزمنهم، لا أرى مبرراً لهذا الاندهاش، كأننا نعيش في مجتمع راق ونسبة أمية %0 ولا يوجد فقر أو بطالة ثم ظهر هذا النوع من الفن».

 كل ما في الأمر، برأيها، أن الاندهاش سببه أن هذا النوع هو كل ما لدينا في السينما بعدما تعثرت ولم تعد تنتج إلا قلة من الأفلام من هذه النوعية التي تهدف إلى جذب فئة معينة من الجمهور تشبه أبطالها.

 تؤكد ألا أحد يلوم السبكي الذي يستمرّ في العمل في هذه الظروف، رغم التحفظ على كل ما يقدمه، وتساءلت: «أين باقي المنتجين الذين لطالما تحدثوا عن السينما وأزمتها ودورها ثم تركوها فريسة لهذا الانحدار؟

تتعجب شومان من إقدام الدولة على المشاركة في إنتاج فيلم «%8» وهو ينتمي إلى هذه النوعية من الأفلام القليلة القيمة... وكأنها تعترف بأن هذا الفن هو المعبر عن المجتمع وما فيه من انفلات أخلاقي.