أزمة تلد أخرى!
• هل نحن أمام أزمة حقيقية أم مفتعلة؟ ولماذا نحن في مسلسل أزمات تبدو من حيث الشكل مكررة وبلا لون ولا طعم وربما برائحة؟ ما إن نخلص من أزمة إلا وتبدأ أزمة أخرى؟!• وبما أن الصراع هو الحالة الطبيعية للمجتمعات، وأن جوهر السياسة تحدده وتحسمه مفاصل القوة في المجتمع، فكلما كان المجتمع مركزياً، أي تجتمع فيه السلطة لفئة قليلة، أياً كان شكل وماهية تلك الفئة، أصبح أساس الصراع في كيفية سيطرة تلك الفئة على مقدرات المجتمع وتحييد، أو عزل، أو تصفية الفئات الأخرى، وفي المقابل كلما انفتح المجتمع سياسياً واقترب أكثر من النمط التعددي، تحوّلَ الصراع إلى كيفية كسب أغلبية الشعب، سواء بالانتخابات، أو بإطار الرأي العام، ويتم ذلك عبر الإقناع والإعلام، والذي قد يتحول إلى سلاح فتاك، أكثر تأثيراً من الوسائل الأخرى التقليدية للقوة.
• وبما أن الشكل التقليدي للقوة مازال ممسوكاً بتلابيبه من قبل السلطة التنفيذية التي تهيمن عليها الأسرة الحاكمة، وبالتالي تتحمل المسؤولية الكبرى عن حالة الأزمات المتكررة، فإن ما يزيد فداحة الأزمات ويدفع بها في اتجاهات غير محكومة هو أن معادلة القوة عندنا أصبحت ثلاثية المحاور، كالتالي: ١) مال، الكثير منه. ٢) ملكية أو التأثير على وسائل إعلام. ٣) تجميع عدد من الناشطين "الفضائيين" في "تويتر" والجرائد الإلكترونية. ومن هذا المنطلق صعد أشخاص ضمن معادلة القوة تلك وتلاشوا وغابوا بسبب تغير الظروف.• صراع من هذا النوع، وأدوات هشة قابلة للتحييد بسهولة، تؤدي بالتدريج إلى تحول الصراع التقليدي الاجتماعي إلى صراع فردي، حيث يستطيع فرد واحد أن يصبح مركز قوة بغض النظر عن انتمائه الفئوي، بل قد يصبح مدمراً لانتماءاته الفئوية.• وبالتالي فإن الصراع بدلاً من أن يصبح حاكماً العملية السياسية ضمن قواعد لعبة معروفة، يصبح فارغاً وغير قادر على الصمود، ويتسم بتغير مراكز القوى وتحالفاتها وبعثرتها، ما ينعكس سلبياً على نمط اتخاذ القرار، وبالتالي تصبح الأزمة تلد الأزمة، ويعيش المجتمع في حالة من التكرار الممل، والأزمات الرتيبة التي لا تُخرِج المجتمع من حالة الضعف بل تزيده ضعفاً.