ثورات "الربيع العربي"، التي لا تزال تمر بمرحلة انتقالية مليئة بالتحديات الصعبة للغاية وقد تستغرق وقتاً طويلاً نسبياً، أكدت أن الديمقراطية والحرية وحفظ كرامة الإنسان هي قيم وممارسة حياتية وليست مجرد شعارات فارغة تُرفع فقط من أجل كسب التأييد الشعبي للوصول إلى السلطة، ثم التخلي عنها نهائيا مثلما حصل في مصر بعد وصول "الإخوان المسلمين" للحكم ومحاولتهم الانفراد بالسلطة وإقامة نظام شبيه بالنظام الإيراني القائم على حكم الفرد (المرشد)، وهو ما رفضه الشعب المصري فثار عليه وأسقطه.

Ad

 ثورات "الربيع العربي" قامت لرفض الوضع السياسي-الاقتصادي القائم وحددت البديل من خلال شعاراتها، وهو نظام حكم مدني ديمقراطي يحقق العدالة الاجتماعية، ويحفظ حقوق الإنسان وكرامته على أساس المواطنة المتساوية التي تعني المساواة التامة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن العرق أو الطائفة أو المذهب أو الأصل أو الجنس أو الدين.

 بعبارات أخرى، فإن الشعوب العربية عندما ثارت كانت تطالب بتغيير الوضع السيئ القائم عن طريق إقامة أنظمة مدنية ديمقراطية عصرية تحترم حقوق الإنسان وتحقق التقدم الاقتصادي-الاجتماعي وليس أنظمة حكم تعيدنا قرونا للوراء!

 لم يعد خافيا الآن أن التيارات الدينية بأشكالها وتفرعاتها وألوانها المختلفة لم تتبن عن اقتناع شعارات الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي رفعتها الشعوب أثناء ثورات "الربيع العربي"، بل كانت تعتبرها وسيلة فقط لتحقيق غايتها في الوصول إلى السلطة كي تنفرد بها. جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، على سبيل المثال، لم تدع للثورة ولم تشارك فيها من البداية، بل كان لهم موقف معلن برفض الثورة على نظام مبارك لكنهم انضموا إليها في ما بعد عندما ضمنوا نجاحها كي يقوموا، كما اتضح لاحقاً، في تنفيذ مشروعهم السياسي المختلف والذي يتناقض مع الشعارات التي رفعتها الثورة.

لهذا فإن ربط الموقف من ثورات "الربيع العربي" ومن الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بالموقف من "الإخوان المسلمين" وتفرعاتهم (ما لم تؤيد الإخوان فإنك تعارض ثورات "الربيع العربي"!)، كما تحاول أن تروّج كتائبهم الإلكترونية الضخمة، هو ربط لا أساس موضوعيا له، فمعارضة المشروع السياسي-الاقتصادي للإخوان (حكم المرشد ونظام السوق المنفلت)، الذي حاولوا فرضه في مصر فأسقطه الشعب، هو في حقيقة الأمر تأييد لشعارات ثورات "الربيع العربي" التي لما تتحقق بعد، كما أنه تأييد مستحق لإرادة الشعب المصري الذي خرج بالملايين مطالبا بالتغيير المدني الديمقراطي، وبناء دولة حديثة تقوم على أسس ومبادئ التعددية، وتداول السلطة وحماية الحريات العامة والشخصية، واحترام حقوق الإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي-الاجتماعي.