قد يساعدنا فيتالي كليتشكو، أحد قادة المعارضة الأوكرانية البارزين، في قلب الطاولة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو حتى استعادة جزء من احترامنا العالمي المستنفد.

Ad

يُعتبر كليتشكو، الذي يبلغ طوله نحو مترين، بطل مجلس الملاكمة العالمي في الوزن الثقيل بعد أن حقق 45 انتصاراً مقابل هزيمتين، ولم يسبق أن أُسقط بالضربة القاضية، علماً أنه أخو بطل الوزن الثقيل أيضاً فلاديمير.

لكن أيام هذا البطل في الحلبة شارفت على نهايته، فهو اليوم عضو في البرلمان الأوكراني وأحد أبرز المنافسين على رئاسة الجمهورية، وعندما يتكلّم، يصغي الشعب الأوكراني، تماماً كما حدث الأسبوع الماضي حين نصح الناس، على غرار مانديلا، بالامتناع عن العنف وتنظيم مظاهرات لا تزال حتى اليوم سلمية ضد الرئيس فيكتور يانوكوفيتش.

خلال نهاية الأسبوع الماضي، طالب المتظاهرون في كييف يانوكوفيتش بالاستقالة وأسقطوا تمثالاً للينين، أبي النظام السوفياتي.

وكما هو متوقع، جاء ردّ فعل شرطة الرئيس، التي استندت إلى تكتيكات الكتلة الشرقية القديمة، مبالغا فيه، فرُسمت بوضوح خطوط المعركة: يعتقد معظم الأوكرانيين أنهم أوروبيون ويخشون أن يعيدهم يانوكوفيتش إلى كتلة الاتحاد السوفياتي.

بلغت التطورات ذروتها قبل أسبوعين، قبل أيام قليلة من توقيع أوكرانيا على اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، فبعد التفاوض بشأن تلك الصفقة التجارية مع الاتحاد الأوروبي طوال سنوات، فاجأ يانوكوفيتش بيروقراطيي بروكسل والأوكرانيين بتعليقه المحادثات الأحادية الطرف.

كانت هذه الصفقة ستمهد الطريق أمام أوكرانيا، الدولة الأوروبية الكبرى، للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، رابطةً اقتصادها وتجارتها بالغرب.

لكن هذا ما لا يريده فلاديمير بوتين بالتحديد، فهو يسعى إلى استمالة بعض الدول، التي كانت تدور سابقاً في فلك موسكو، بهدف تشكيل اتحاد تجاري ينافس الاتحاد الأوروبي، ولا شك أن أوكرانيا ستشكّل جوهرة التاج السوفياتي الجديد.

نتيجة لذلك، مارس بوتين الضغوط وهدد بإلغاء اتفاقات الغاز الطبيعي ورفع التعرفة على الواردات من أوكرانيا، في حال وقّع يانوكوفيتش الصفقة مع الاتحاد الأوروبي.

بالإضافة إلى ذلك، أبدى ليانوكوفيتش مخاوفه الخاصة بشأن مطالب الاتحاد الأوروبي، فقد أخبرته بروكسل أن أوكرانيا لن تصبح أوروبية بحق إلا إذا أنهت عادة إلقاء الخصوم في السجن، كما يفعل بوتين. وكان من الضروري إخراج عدوة يانوكوفيتش القديمة، زعيمة المعارضة يوليا تيموشينكو، من السجن كي تتمكن على الأقل من الحصول على المعالجة الطبية الملائمة في ألمانيا.

ألقت محكمة سيطر عليها يانوكوفيتش رئيسة الوزراء السابقة تيموشينكو في السجن بتهم ممارستها الفساد في نشاطاتها التجارية التي قامت بها خلال حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي في هذا البلد، وهكذا تحولت تيموشينكو بجدائلها الشقراء التقليدية الشهيرة إلى رمز أوروبي للاضطهاد السياسي.

خشي يانوكوفيتش من أن يواجه، بتحريره تيموشينكو، منافسين أقوياء خلال الانتخابات الرئاسية المتوقَّع عقدها عام 2015، وماذا بعد؟ هل يُرغَم أيضا على السماح لهذا الملاكم بالترشح ضده؟

بعد أن جنى كليتشكو ثروة في حلبة الملاكمة، أعلن في شهر أكتوبر الماضي أنه ينوي الترشح لرئاسة بلده، ولكن كما هو متوقَّع، سارع يانوكوفيتش إلى اعتبار ترشحه غير مشروع لأن هذا الملاكم يقيم في ألمانيا ويدفع الضرائب هناك.

رغم ذلك، حصد هذا البطل العالمي شعبية كبيرة، وما زال الأوفر حظاً بين كل مَن يطمحون بسدة الرئاسة في أوكرانيا. إذاً، شعر يانوكوفيتش على الأرجح أن قبضته على زمام السلطة بدأت تفلت؛ لذلك ألغى اتفاقه مع الاتحاد الأوروبي.

كانت كاثرين آشتون، الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، منهمكة آنذاك بتوقيع رفع العقوبات العالمية عن إيران في جنيف وتجاهلت هذا البلد الأوروبي،

كذلك بدت واشنطن غافلة عما يدور في أوكرانيا، وسبق أن استسلمنا لبوتين في الشأنين الإيراني والسوري (وسنودن)، وقبل ذلك في مسألة المشروع المضاد للصواريخ في بولندا والجمهورية التشيكية؛ لذلك، لمَ نثير ضجة كبيرة بشأن انجرار أوكرانيا عميقا داخل المدار الروسي؟

لعل أفضل مَن يطرح هذا السؤال الأوكرانيون الذين ينزلون بجرأة إلى شوارع كييف الخطرة، فهل نقف على الأقل إلى جانبهم بدل أن نقلق دوماً بشأن حساسية بوتين؟

إليكم فكرة جيدة: لتدعوا ميشيل أوباما كليتشكو إلى البيت الأبيض، فبما أنه يحمل شهادة دكتوراه في الثقافة الرياضية، يستطيع إطلاع الأولاد عن مخاطر الجلوس مطولاً على الأريكة أمام شاشة التلفزيون. ثم يدخل الرئيس أوباما فجأة ويقول علانية عبارة مثل: مرحباً، تنجز عملاً مهمّاً في أوكرانيا. بكلمات أخرى، علينا أن نؤكد أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الأوكرانيين، وهكذا نوجّه تحذيراً إلى يانوكوفيتش وبوتين.

عندما تدرك موسكو أننا نملك حلفاء في الدول المجاورة لها، نستطيع البدء بعكس نزعة أطلقناها عام 2009، حين تجاهل الرئيس أوباما "الثورة الخضراء" في إيران، ومَن يدري؟ قد يولينا طغاة طهران ودمشق أيضاً بعض الاهتمام، وقد يعيد عدد ممن يريدون التحالف مع الغرب النظر في افتتانهم الأخير ببوتين وأمثاله.

Benny Avni