مخاطر البعوض وتهديداته

نشر في 11-04-2014
آخر تحديث 11-04-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت تقتل الأمراض التي تنتقل عن طريق البعوض الملايين من البشر سنويا، وتسبب المعاناة لأعداد أكبر كثيراً، ففي عام 2012 تم تسجيل نحو 207 ملايين حالة ملاريا، وبلغت الوفيات بين هذه الحالات نحو 267 ألف وفاة، وتُعَد حُمّى الضنك السبب الرئيسي للمرض والوفاة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، ويصاب بعدواها 100 مليون شخص في كل عام، وهناك ما يقدر بنحو 200 ألف حالة إصابة بالحمى الصفراء سنوياً، تؤدي إلى 30 ألف وفاة في أنحاء العالم.

لا يتطلب الأمر أكثر من لسعة واحدة من بعوضة حاملة للمرض لنقل عدوى مُنهِكة أو مُهلِكة، والبعوض يتناسل ويتكاثر بسرعة مذهلة؛ ولأنه لا يوجد لقاحات أو علاجات دوائية لأمراض مثل حمى الضنك وفيروس غرب النيل، وبسبب صعوبة الوصول إلى علاجات لأمراض مثل الملاريا في العديد من المناطق المعرضة للخطر، فإن الحاجة ماسة إلى ابتكار آليات أكثر فعالية للسيطرة على تجمعات البعوض.

والنبأ السار هنا هو أن تكنولوجيا جديدة واعدة أصبحت جاهزة للاختبار الميداني، والأمر متروك الآن للهيئات الحكومية لتسهيل تنمية هذه التكنولوجيا وتطويرها.

تعتمد الطريقة السائدة للحد من أعداد الحشرات- ما يُسمى "تقنية الحشرات العقيمة"- على استخدام الإشعاع لتعقيم الذكور، التي يتم إطلاقها إلى المناطق الموبوءة لكي تتزاوج، ولكن هذا النهج المستخدم منذ منتصف القرن الماضي لم يكن فعّالاً مع البعوض نظراً لهشاشته.

وتقدم لنا التطورات في مجال البيولوجيا الجزيئية حلولاً مماثلة، لكنها أكثر تعقيداً، فباستخدام تقنيات الهندسة الوراثية الجزيئية، تمكنت الشركة البريطانية أوكسيتيك (Oxitec) من ابتكار طريقة جديدة للسيطرة على أنواع البعوض التي تنقل حمى الضنك.

تقوم هذه الطريقة على توليد ذكور البعوض في المختبر بحيث تحمل طفرة جينية محددة، ونتيجة لهذا، ينتج نسلها مستويات عالية من البروتين الذي يمنع خلاياها من العمل بشكل طبيعي، فتموت قبل بلوغ مرحلة النضوج، وذكور البعوض لا تلدغ، لذا فإن إطلاقها لا يمثل أي مخاطر صحية، ولأن نسلها يموت فلن يظل في الطبيعة بعوض مهندس وراثياً.

وإذا تم إطلاق الذكور على مدى عدة أشهر، فإن هذا من شأنه نظرياً أن يفضي إلى انخفاض ملحوظ في أعداد البعوض، وكل ما هو مطلوب الآن هو تحديد ما إذا كانت هذه الطريقة ناجحة في الممارسة العملية.

وتتقدم بشكل تدريجي البحوث العلمية الرامية إلى تطوير منتجات مثل الحشرات المعقمة المعرضة للإشعاع أو "بعوض أوكسيتيك" من ظروف يمكن السيطرة عليها إلى ظروف يصعب السيطرة عليها- من المختبر إلى التجارب المقيدة إلى التجارب الميدانية المحدودة. والآن وقد أجرت شركة "أوكسيتيك" تجارب ميدانية واعدة في جزر كايمان وماليزيا والبرازيل، فهي تستعد لإجراء تجارب في بلدان أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.

تخضع مثل هذه التجارب دوماً للسيطرة والمراقبة على النحو اللائق لضمان كونها آمنة وفعّالة، في حين توفر القيود التنظيمية الحكومية قدراً إضافياً من الحماية، ومن أجل تحديد المستوى المناسب من الرقابة والإشراف فمن المفترض أن تتولى الهيئات الحكومية إجراء تحليل للمخاطر يقوم على أساس علمي.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالهندسة الوراثية فإن العلم يبدو أقل أهمية من السياسة، والحق أن الهندسة الجينية الجزيئية أكثر دقة وأقرب إلى التنبؤ بنتائجها مقارنة بالتقنيات القديمة الأكثر فظاظة مثل التعريض للإشعاع، ولكن في حين تظل تقنية الحشرات العقيمة غير منظمة في أغلب الأماكن، فإن المراجعات التنظيمية للكائنات الحية المهندسة وراثياً كانت تميل إلى الامتداد طويلاً والإفراط في أنحاء العالم المختلفة، مع حرص الساسة على تأخير الموافقات، ومنعها في بعض الأحيان، ونتيجة لهذا فإن مشاريع البحث والتطوير في مجال الهندسة الوراثية باهظة التكاليف، وهذا يعني تثبيط الاستثمار وعرقلة الإبداع.

ويزداد الأمر تعقيداً على تعقيد في حالة مكافحة البعوض، وذلك نظراً لإلحاح المشكلة. والواقع أن برنامج منظمة الصحة العالمية الخاص للبحوث والتدريب على الأمراض الاستوائية دعا الهيئات التنظيمية إلى التأكيد على "المتطلبات المستهدفة القائمة على الحقائق العلمية لكل حالة على حِدة مع الاستعانة بدرجة من الحرص العملي"، بدلاً من الاعتماد على "النهج التحوطي الذي قد يتطلب بيانات لمعالجة كل المخاطر النظرية". أو بعبارة أخرى، يتعين على القائمين على التنظيم أن ينظروا في التكاليف والفوائد الصحية العامة المترتبة على هذه الابتكارات، وتسريع عمليات مراجعتها.

ونظراً للمعاناة الهائلة الناجمة عن الأمراض التي ينقلها البعوض، فلا ينبغي للحكومات أن تُخضِع حلول الهندسة الوراثية الرامية إلى السيطرة على البعوض لنفس النوع من الرياح المعاكسة السياسية والشعبوية التي أعاقت الموافقة على المنتجات الزراعية المهندسة وراثياً، ولن يتسنى للعالم أن يحقق كامل إمكانات محاربة المرض التي توفرها الهندسة الوراثية إلا بتطبيق مبادئ تنظيمية عملية قائمة على الحقائق.

* جون جيه . كورسن ، محام أميركي خدم في مناصب كبرى في البيت الأبيض والكونغرس الأميركي. هنري ميللر | Henry I. Miller ، طبيب وعالم البيولوجيا الجزيئية، وزميل الفلسفة العلمية والسياسات العامة في "معهد هوفر" بجامعة ستانفورد.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top