يتوقع بعض المتابعين للساحة السياسية المحلية أن الأمور تتجه بسرعة نحو المواجهة المباشرة التي سيكون ميدانها الشارع من جديد بعد أن سُدت جميع المنافذ السياسية، فالسلطة، كما ما يبدو، ليست في وارد التصالح مع الدستور والاعتراف بالأخطاء التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من تراجع، ثم تقديم مبادرة مشروع سياسي جديد يعيد للكويت نهضتها الحضارية ووجهها الديمقراطي المشرق الذي كان يميزها في المنطقة.

Ad

 و"المعارضة"، على الضفة الأخرى، تواجه ضغطا شعبيا قويا يطالبها بالتحرك الميداني بعد أن ازدادت الأمور سوءاً بعد مرسوم الضرورة الخاص بالصوت الواحد. صحيح أن "المعارضة" تعاني مشاكل، فهي نتاج لعدم تنظيم العمل السياسي على أسس مدنية ديمقراطية، وهي ليست موحدة حول قضايا محددة وقابلة للتنفيذ في هذه المرحلة، ولكن الضغط الشعبي المُتصاعد سيُجبرها على النزول للشارع، وبعدئذ لكل حادث حديث.

الوضع السيئ الحالي، كما ذكرنا غير مرة، لا يمكن له أن يستمر، فقد استنفد جميع إمكاناته ووسائله المشروعة وغير المشروعة على حد سواء بما في ذلك "التنفس الصناعي" الذي قد يساعد على الاستمرار لفترة وجيزة، فالذرائع والحجج التي سيقت قبل عامين تقريبا من أجل تبرير الانفراد بتعديل الدوائر الانتخابية أثبتت الأيام تهافتها وعدم صحتها، كما أن أشد المدافعين عن مجلس الصوت الواحد أصبحوا يعترفون علنا بعدم جدواه، وبأنه مجرد شكل ديكوري تتصرف به الحكومة كيفما تشاء، وهو الأمر الذي أشار إليه مؤخرا، وبكل وضوح، الأعضاء المستقيلون استقالة مُسببة والذين يشكلون ما نسبته 10% من مجموع أعضاء مجلس الصوت، وهي نسبة عالية لم تحصل في أي مجلس سابق منذ استقالة منتصف الستينيات الشهيرة.

أما الاحتكام للميادين والساحات العامة من أجل حسم الخلافات السياسية فإنه لا يأتي دائما في مقدمة البدائل؛ لأنه يعني، من ضمن ما يعنيه، "تجميد" السياسة، لهذا يكون عادة آخر الخيارات المطروحة، وذلك عندما تقفل الأبواب وتُسد القنوات الطبيعية أمام الفرقاء السياسيين.

اللجوء إلى الشارع لحسم الخلافات يعتبر وضعاً استثنائياً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وهو مفتوح على جميع الاحتمالات، حيث إن للميدان العام أو الشارع "ميكانزمه" الخاص الذي يصعب أحيانا كثيرة التنبؤ به ومعرفة اتجاهاته، فالتطورات الميدانية قد تأخذ منحىً آخر غير محسوب النتائج ويصعب التحكم فيه وتوجيهه.

أي شخص حريص على استقرار وطننا لا يتمنى أن تصل الخلافات السياسية إلى طريق مسدود أو مواجهة مباشرة بين السلطة والشعب في الساحات والميادين العامة، فهل تقدم السلطة مبادرة سياسية جريئة قبل انفجار الغضب الشعبي ووصول مداه إلى الشارع؟