ارتباط الأديب بالمؤسسة والحصول على مباركتها والدخول إلى عالمها يفقده الكثير من علاقته بالإنسان الذي يكتب عنه ويهتم بهمومه وآلامه.

Ad

لا أحد يستطيع الادعاء بأن ذلك يقلل من قيمة أدبه وإنما يقلل من صدق هذا الأدب. ذات مرة سألوا المتنبي عن سبب مطاردته الدائمة لأصحاب النفوذ والسطوة والمال وتسخير هذا الإبداع الرائع في مدحهم تكسبا لودهم ومنحهم والاقتراب من مجالسهم، فسرد القصة التي ربما لا نقتنع بها ولكننا لا نلومه عليها لأننا نحبه. مر المتنبي ذات يوم بصاحب محل يبيع البطيخ فاشتهى أن يشتري واحدة، عرض البائع سعرا لم يستطع المتنبي أن يدفعه وهو لا يملكه، وأثناء محاولته إقناع البائع بقبول ما يملك من سعر مر تاجر ثري فاعترضه البائع يعرض عليه البطيخ. استحسن الثري الفاكهة لكنه رفض السعر وعرض سعرا أقل من السعر الذي عرضه المتنبي فوافق البائع وطلب منه الثري أن يرسل البطيخ إلى بيته فوافق. حين ذهب الثري سأل المتنبي البائع لماذا قبلت بسعر أقل مما عرضت عليك. فقال: هذا الرجل يملك مائة ألف دينار ويمر كل يوم أمام محلي، أما أنت فلن أراك إلا مرة واحدة فقط. يكمل المتنبي قررت من ذلك اليوم أن أكون ذلك الثري.

ولم يكن أمامه، وربما هو السبيل الوحيد أمام الأديب العربي، إلا أن يرضى بفتات السلطة وما تبقى من موائد زعماء تلك المرحلة. لم يتغير الحال كثيرا. فقلة أولئك الذين يستطيعون بلع لعابهم السائل، أما الحظوة التي ينالونها باقترابهم من السلطة والاستعداد التام للتلون معها كيفما تتلون. فذهب السلطة أكثر بريقا من قدرة مقاومة الأعين، والسباق محموم لمن ستكون له الصفة المتنازع عليها في لقب الأكثر قربا من السلطة.

في الكويت هذه الصورة ملتبسة وغير واضحة، فالمجتمع وبنسب كبيرة يعمل في القطاع العام، ومن لا يعمل مباشرة في القطاع العام يحتاج الى الدولة كمصدر مهم للقطاع الخاص. ذلك يجعل الارتباط بالمؤسسة ضمن السياق الاجتماعي العام ولا غضاضة في ارتباط الأديب كموظف لدى المؤسسة، وهي المصدر الوحيد الممكن. ولكن هذا الارتباط لا يعني أن يستغل الأديب مكانته لفرض أجندته الخاصة في محاولة لتغييب زملائه الكتاب عن مؤتمر تقيمه المؤسسة لهم ويهتم بشؤونهم الإبداعية.

لا أنكر أنني فرحت بوجود أسماء جميلة في مؤتمر السرد الذي أقامته المؤسسة الثقافية في الخليج، والذي منح الفرصة لأسماء خليجية نقدية تستحق المتابعة، ولكن.

لم أجد مبررا لاستبعاد سعود السنعوسي وباسمة العنزي وفوزية الشويش وغيرهم عن مؤتمر السرد الخليجي، ولهم أعمال مهمة وأحدثت فارقا في السرد موضوعا وتقنية. وربما انسحاب إسماعيل فهد إسماعيل كان خطوة مهمة لهذا الرجل ألا ينهي حياته تحت وطأة المؤسسة التي هو في غنى تام عنها مقارنة بسواه. ولأنني لا أعلم حقيقة من هو وراء استبعاد الزملاء لا أستطيع الا أن أقول له هنيئا لك المؤسسة واقول للزملاء اتركوها لهم. اتركوها لهم، أنتم بدونها أجمل، ولن تكونوا أفضل بالارتباط بها، لن يسعدكم هذا الارتباط بالقيد وإن كان قيدا ناعما لا تشعرون بخطورته إلا حين تكتبون.