يقف الجدار ذو القوالب الساكنة في موضعها منذ عشرات السنين ثابتاً، بينما تجرى على سطحه الخارجي معارك باتت تلقي بظلالها وألوانها على وجهه الذي أصبح ملطخاً بالسواد والبياض وما بينهما من ألوان.

Ad

قبل سنوات مضت كانت جدران القاهرة تحظى بسكينة تليق بصمتها، بينما كان أقصى ما يقلق بنيانها، تلك الصور الدعائية لانتخابات برلمانية تجرى كل خمس سنوات، لكن الأجواء السريعة التي تحيط بمصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، انعسكت صورتها وصخبها على الجدران.

في أجواء الاستعداد لثورة يناير، استخدم النشطاء على استحياء واجهات الجدران في الدعوة إلى التظاهر، وانصبت معظم تلك الكتابات الثورية في مناطق معروفة بالتجمعات الشبابية، مثل منطقة وسط المدينة في قلب القاهرة، وأسفل الكباري القريبة من ميدان التحرير الذي تحول في ما بعد إلى أيقونة الثورة.

ومع تصاعد حدة المواجهات بين أجهزة الأمن والنشطاء الثوريين في أعقاب إزاحة مبارك من الحكم، أصبحت صفحات الجدران أشبه بعرائض ثورية يعبر من خلالها الشباب عن التضامن مع ناشط ألقي القبض عليه، أو يرسمون صورة لشهيد قضى نحبه مثل الشيخ عماد عفت، أو ينتصرون لقائد ظلم تاريخياً مثل رئيس أركان القوات المسلحة في حرب أكتوبر 1973، الفريق سعد الدين الشاذلي.

بتولي الرئيس السابق محمد مرسي سدة الحكم، زاد صخب الألوان والكتابات على الجدران، وعرفت شعارات "يسقط يسقط حكم المرشد" و"يسقط الاستبن" طريقها إلى المشهد، وفي أعقاب تحوله من أول رئيس مدني منتخب إلى "المعزول" في 3 يوليو الماضي انطلق أنصار "الإخوان" يكتبون شعارات "لا للانقلاب" و"يسقط يسقط حكم العسكر".

ولا تقتصر المناورات التي تجرى في شوارع القاهرة على المعارك بين الأمن والمتظاهرين، ويبدو ذلك جليا من خلال متابعة الجدران، فبينما يكتب أحدهم "السيسي قائد الانقلاب"، يأتي أحدهم مُكايداً ليمحو آخر كلمتين، ويحول الشعار إلى "السيسي قاهر الإخوان".

ويعتبر فض اعتصام جماعة "الإخوان" في ميداني رابعة والنهضة منتصف أغسطس 2013، علامة بارزة في سجلات الجدران المختلفة وفي مناطق عدة، وحولت الجماعة أعداد الضحايا الذين سقطوا في أثناء الفض إلى أيقونة "مظلومية" تكتب في الشوارع التي تمر بها تظاهرات الجماعة كل يوم جمعة، ولعل أبرزها "رابعة في القلب" و"كلنا رابعة"، وعندما يسعى أصحاب جدار قد يكون لمنزل أو محل تجاري إلى محو "آثار الكتابة"، لا يمر الا أسبوع وتعود تظاهرة جديدة لتكتب "حلو الدهان الجديد... امسح وهكتب تاني".

اللافت ان الشعارات التي كانت تنال بالسباب من وزير الدفاع السابق عبدالفتاح السيسي، ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، وعناصر الجيش والشرطة، أصبحت اتهامات تسوقها النيابة في التحقيق مع المقبوض عليهم من عناصر "الإخوان".

"مرسي راجع" ظل الشعار الذي تخطه يد مؤيدي الرئيس المعزول على الجدران في شوارع عدة، وطوال شهور أعقبت إخراجه من منصبه، وبينما قوبل الأمر بالسخرية من قبل معارضي الإخوان، بيد أن أحدهم الذي قد ضاق بالسخرية، وبلغ حد الملل من الانتظار لعودة "رئيسه الشرعي" بينما لا تساعده أي من المعطيات السياسية على تصديق ذلك، توجه داعيا عبر جدار أحد الحوائط وكتب "يارب مرسي يرجع".