ظريف... ظريف فعلاً!
"كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ" فوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كرر للمرة الثانية دعوته لانسحاب القوات الأجنبية من سورية وإفساح المجال للشعب السوري ليقرر مستقبل بلده بنفسه، في حين أن الأحرى به أن تبدأ الاستجابة لهذه الدعوة من بلده جمهورية إيران الإسلامية التي، فعلياً وعملياً، هي الجهة الوحيدة التي لها قوات نظامية "الحرس الثوري" تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد ضد شعب من المفترض أنه شعبه، هذا بالإضافة إلى الميليشيات الطائفية التي هي في حقيقة الأمر تأتمر بأوامر الولي الفقيه علي خامنئي الذي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية.إنَّ المفترض أنْ تبدأ إيران، ما دام وزير خارجيتها قد قال هذا الذي قاله مرتين، بسحب وحدات "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني من جبهات القتال في سورية وإعادتها إلى معسكراتها في الأراضي الإيرانية، ومن المفترض أيضاً أنْ تبادر إلى سحب كل الميليشيات الطائفية، التي تشارك نظام بشار الأسد في قتل الشعب السوري وتشتيته وتهجيره وتدمير مدنه وقراه على نحو أفظع كثيراً مما فعله النازيون في الحرب العالمية الثانية، والتي وصل عددها إلى أكثر من اثني عشر تنظيماً، من بينها قوات "حزب الله" اللبناني، وفيلق "أبو الفضل العباس"، وفيلق "عصائب الحق"، و"ذو الفقار".
إنه لا توجد في سورية أيُّ قوات أجنبية سوى هذه القوات الإيرانية الآنفة الذكر، إذْ إنَّ "داعش"، إذا كان وزير الخارجية الإيراني يقصدها بكلامه هذا، وهو بالتأكيد يقصدها، هي صناعة إيرانية بمشاركة أجهزة نظام بشار الأسد الاستخبارية، وهي لم تخُضْ ولا معركة واحدة ضد جيش هذا النظام، إضافة إلى أنَّ موجهيها السياسيين تم استيرادهم من باكستان من المتخصصين في الفقه السني ليعطوا هذا التنظيم صورة مذهبية غير صورته الفعلية والحقيقية. وبالطبع، ومن أجل المصداقية والحقيقة، فإنه لابد من الإشارة إلى أن هناك التحاقاً من بعض المتطوعين، العرب وغير العرب، ببعض فصائل المعارضة السورية، ولكن بشكل فردي، وبعدما أعطى التدخلُ العسكري الإيراني، الذي اعترف به "وبكل تفاخر" الولي الفقيه علي خامنئي، الطابعَ المذهبي المقيت لهذا الصراع الدموي الذي، بسبب طائفيته، قد امتد إلى العراق ولبنان واليمن، والذي كان لابد من أنْ يؤدي إلى كل هذا الاستقطاب الطائفي في منطقة الشرق الأوسط، ثم امتد إلى كل الدول الإسلامية الإفريقية والآسيوية القريبة والبعيدة.والغريب أن محمد جواد ظريف في تصريحاته التي أطلقها في "دافوس"، التي دعا فيها إلى سحب القوات الأجنبية من سورية، قد قال إن وجود القوات الإيرانية في هذا البلد العربي، الذي لا تزيد نسبة الذين تعتبرهم "قُمْ" امتداداً طائفياً لها على اثني عشر في المئة في أفضل الحالات، هو لحماية المقامات الشيعية، والمقصود مقام السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، وهو مقام بقي موضع احترام وتقدير وأيضاً محبة و"تقديس" خلال حكم الأمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين، وخلال حكم البعثيين بعد ثورة عام 1963، وبعد حركة الثالث والعشرين من فبراير (شباط) عام 1966... وبالطبع بعد انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970.إنه على محمد جواد ظريف أن يكون صادقاً مع نفسه عندما يدعو إلى سحب القوات الأجنبية من سورية، وأن يقبّل ظاهر وباطن يد الولي الفقيه علي خامنئي مثنى وثلاث ورباع، وأن يتوسل إليه أن يأمر بسحب القوات الإيرانية من بلد حوّله جيش بشار الأسد إلى أطلال وإلى مقابر معروفة وغير معروفة على مدى جغرافية هذا البلد، وإلى محتشدات نازحين ومتشردين... وغير هذا فإن وزير الخارجية الإيراني يثبت أنه لم يكن صادقاً في أي حرفٍ مما قاله، وأنه يمارس السياسة على أساس المراوغة والخداع، وعلى أساس "التقية" وقول كلامٍ جميل في العلن وممارسة ضده على أرض الواقع.