كثرت في الآونة الأخيرة تقارير الخبراء الاقتصاديين التي تحذر من حدوث عجز مالي قادم لا محالة في الأعوام القليلة القادمة إن لم تتدارك الحكومة الأمر، وتقوم بمعالجته عن طريق تخفيض الدعم والإبقاء على بند الرواتب كما هو إلى الأبد!
وهو الحل الوحيد والدائم في نظر خبراء الاقتصاد لدينا، الذين يجلس معظمهم على تل من المال وعيونهم على راتب المواطن الذي أصبح راتبه بالكاد– رغم الزيادات الأخيرة- يكفي لمتطلبات الحياة من مأكل وملبس ومسكن وأقساط سيارة ورواتب خدم وأجور علاج بالعيادات الخاصة، فإن تبقى منه شيء، أخذ له يومين إجازة "رفاهية" في دبي، ليغسل النكد الذي في قلبه!ومعظم مصاريفنا كمواطنين إن جئتم للحق سببها الحكومة، فالرقابة الحكومية الضعيفة على أسعار المواد الغذائية تجعل المواطن يدفع سعراً مضاعفاً لما يجب أن يدفعه في دولة لا تأخذ ضرائب أو جمارك على التاجر، وسوء الخدمات الصحية الحكومية تجعله يصرف مبالغ هائلة للطبابة بالمستشفيات الخاصة، وعدم توافر مقاعد جامعية تضطره لإرسال أبنائه إلى الجامعات الخاصة على نفقته، وعدم توافر السكن الحكومي يلجئه للاستئجار بمبالغ كبيرة أو الاقتراض لشراء المنزل، والجو الكئيب الذي يفرضة المتشددون على الحكومة الخاضعة لأهوائهم يجعله يلجأ للسفر في كل فرصة مواتية، والمضحك بعد كل هذا، أن تأتي الحكومة لتطالبه بشد الحزام كي لا يحدث عجز مستقبلي لميزانيتها، دون أن تحاسب نفسها لحظة عن دورها في هذا العجز "الافتراضي"!والمضحك المبكي أنها تطالبه بذلك في نفس الوقت الذي تقوم فيه بتوزيع الهبات والعطايا الخارجية بكرم حاتمي لم تبلغه دولة في العالم، مع ذلك، لا يرى خبراؤها الاقتصاديون "العباقرة" سوى رواتب المواطنين بابا للهدر المالي، مع أن زيادة الرواتب تحدث في العالم كله بشكل عادي ودوري بسبب انخفاض القيمة الشرائية للعملات كل عام، وروحوا أسألوا الأوروبي والإفريقي والآسيوي والذي يعيش في الأسكيمو هل راتبه اليوم كما كان قبل عشرة أو عشرين عاما؟وسوف يأتيكم الجواب بأن الكويتيين ليسوا استثناءً في مطالباتهم بزيادة الرواتب، وما يطلبه المواطن في الواقع ليس زيادة حقيقية إنما إعادة لقيمة راتبه الشرائية، فما كان يشتريه بخمسمئة دينار قبل 10 أعوام لا يستطيع شراءه بألف دينار هذه الأيام، فالزيادة شكلية وليست فعلية أيها السادة!والذين يحذروننا من انخفاض أسعار النفط مستقبلا يتجاهلون أن النفط سلعة كباقي السلع، وكما ترتفع أسعار السلع الاستهلاكية كل عام، فالمنطقي أن يرتفع سعر النفط لا أن ينخفض، إلا في حالة حدوث حروب أو كوارث في الدول النفطية، حتى في هذه الحالة، ربما يحدث العكس وترتفع أسعار النفط بشكل جنوني، فمصائب قوم عند قوم فوائد! وقد كان من الأجدى أن يتوجه لوم الخبراء وتحذيراتهم إلى الحكومة التي من أصل مهامها إيجاد مصادر بديلة للدخل وعدم الاعتماد على النفط كسلعة وحيدة، وأن تمسك يدها قليلا بمسألة الهبات الخارجية، لا أن تسد العجز من جيوب المواطنين!على أي حال، هذه التحذيرات ليست جديدة، وقد تعودنا على ظهورها مصاحبة لكل اقتراح نيابي بزيادة الرواتب أو علاوة الأولاد أو القرض الإسكاني، والغريب العجيب، أنهم كلما حذروا من عجز الميزانية حدث فائض فيها، وكلما تنبؤوا بانخفاض أسعار النفط ارتفعت أسعاره، أي أن الحالة تأتي دائما "خلف خلاف" ما يقولون ويتوقعون!
مقالات
توقعات «خلف خلاف»!
04-02-2014