• أينما تُولِّ وجهك في هذا العالم العربي المتعب، يأتِك السؤال التقليدي، أيهما له الأولوية، الأمن أم كرامة الإنسان؟ وبطبيعة الحال ينتصر المنطق الأمني بشكل شبه دائم.

Ad

• غلبة المنطق الأمني ليس لامتلاكه حجةً قوية، ولكن لاستناده إلى القوة وسحق الآخر المعارض، بحجة الحفاظ على الأمن، أياً كان شكل هذا المعارض وأياً كانت درجة معارضته، سلمية كانت أم عنيفة، بل في كثير من الأحيان، تكون مجرد إبداء رأي "مخالف"، ولا أقول "معارض".

• من حيث الشكل، يتضمن المنطق الأمني إغراءات لا جدال حولها، فمن منا يستطيع القول بعدم حاجته إلى الأمن، خاصة في ظل عالم مفعم بالعنف والممارسات العنفية، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع ومن حيث الممارسة، ليس استتباباً لأمن، ولكنه في غالب الأمر تكريس لسلطة وترسيخ لتمييز ضد فئات أخرى داخل المجتمع.

• أشكال التمييز كثيرة ومتنوعة، ولكن خطورة التمييز أنه يدبّ داخل البشر كدبيب النمل، ليخلق توافقاً منطقياً، يتحول فيه الناس كقطيع جامح ضد فئات أخرى، ليصبح الصمت عن ممارسة الانتهاك بحق الأبرياء مسألة عادية؛ فهكذا ظهرت النازية والفاشية في رحم الديمقراطية الغربية، لتتحول بصمت الناس، إلى ثور هائج، يحرق الكتب، ويقتلع الأفكار، ويقتل المناوئين، ويغزو الدول ويدمر العالم، ثم يدمر ذاته.

• فالتمييز ضد بشر آخرين هو تمييز ضد الذات؛ فالعنصري، قبل أن ينطلق ليقضي على من ينظر إليهم بدونية من البشر، يكون في حقيقة الأمر وضع قنبلة ذاتية في داخله، وهي ستنفجر فيه يوماً ما.

• غير أن خطورة و"تدميرية" التمييز بين البشر لا تقتصر على جانبها النفسي الذاتي للشخص العنصري، فذلك هو المستوى الأدنى منها، فالخطورة تكمن في استغلال مراكز القوى في المجتمع لدفع عملية التمييز من مجرد كونها فعلاً اجتماعياً بغيضاً، إلى ما يشبه حالة الانتحار الجماعي عبر إشراك كل المجتمع في صراع القوة استخداماً لمعايير التمييز.

• في الدولة الحديثة، "القومية" والقائمة على أساس المواطنة كمعيار أول للتفضيل، والمساواة بين البشر كمعيار آخر للتعايش، لا يفترض أن يكون هناك مكان للتمييز، وإلا فقد حكم الناس على أنفسهم بالدمار.