قضت محكمة جنح التجارة ببراءة مواطن من تهم إدخال مواد ممنوعة إلى البلاد، عبارة عن سيجارتين إلكترونيتين، بسبب عدم نشر الادارة العامة للجمارك ما يفيد منعهما بالجريدة الرسمية، حسبما ينص عليه الدستور.

Ad

وأكدت المحكمة، في حيثيات حكمها، أن المقرر في قانون الجزاء أنه «ينطبق على الأفعال التي تقع في ظل نفاذه، أما الأفعال التي لم تكن مؤثمة قبل نفاذه فلا يصح أن تقع تحت طائلة التجريم، لأن القانون الجزائي لا يطبق –كقاعدة عامة– بأثر رجعي، ومن هذا المنطلق أصبح مبدأ الشرعية الجنائية ومبدأ عدم رجعية التجريم والعقاب راسخين في التشريعات الجزائية الحديثة باعتبار أنهما يحميان الحقوق والحريات الفردية من صنوف التحكم والاستبداد».

وقالت إنه «ينبني على ذلك أن المشرع يقع على عاتقه واجب الإنذار قبل العقاب، ووسيلة هذا الإنذار في الكويت هي النشر في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم)، ولا يغني عن هذا النشر إذاعة القانون بواسطة الإذاعة أو التلفزيون أو الجرائد العادية، وبمجرد نشر القانون في الجريدة الرسمية وحلول ميعاد نفاذه، فإن علم كل أفراد المجتمع به يكون مفترضا، إذ لا يقبل بعدئذ من أحد الادعاء بالجهل بالقانون المنشور».

تهريب جمركي

وكانت النيابة العامة قد وجهت إلى المتهم أنه ارتكب تهريبا جمركيا بأن حاول إدخال بضاعة ممنوعة إلى البلاد (سيجارتان إلكترونيتان وملحقاتهما)، بشكل مخالف للنظم المعمول بها في هذا الشأن، وطلبت النيابة معاقبة المتهم بمقتضى المواد (2/26)، (4)، (16)، (142)، (143/11)، (145/4 و5)، (150) من القانون رقم 10 لسنة 2003 بإصدار قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي، وقرار وزير المالية رقم 30 لسنة 2003 بشأن البيانات والأنظمة الجمركية، والمادة (78) من قانون الجزاء.

وركنت النيابة العامة في إسناد التهمة سالفة البيان إلى المتهم إلى ما ثبت من محضر ضبط المخالفة رقم 19 لسنة 2012 المؤرخ 25/3/2013 من أنه لدى الكشف على الطرد البريدي القادم من أميركا باسم المتهم، تبين أنه يحتوي على سيجارتين إلكترونيتين مع ملحقاتهما، وهذا النوع من السجائر ممنوع استيراده بموجب التعليمات الجمركية رقم 26 لسنة 2011، فتم –بناءً على ذلك– حجز البضاعة وتحرير محضر ضبط المخالفة.

وباستجواب المتهم في تحقيقات النيابة العامة أنكر التهمة المسندة إليه، وقرر أنه طلب السيجارتين موضوع الاتهام من أميركا عن طريق الإنترنت، باعتبار أنها تساعد على الإقلاع عن التدخين، وأنه لا يعلم بأنها ممنوعة.

أفعال لاحقة

وذكرت المحكمة ان المادة (32) من الدستور تنص على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها»، كما ان المادة (178) منه تنص على أنه «تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها، ويُعمل بها بعد شهر من تاريخ نشرها، ويجوز مد هذا الميعاد أو قصره بنص خاص في القانون».

وأوضحت أنه من المقرر أن القواعد المنشئة للجرائم والعقوبات ليس لها الا مصدر واحد هو النص التشريعي، والمقصود بالنصوص التشريعية في هذا الصدد هو القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية، وكذلك اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية في بعض الأحوال والظروف، بناء على تفويض من السلطة التشريعية، ومن بينها اللوائح التي يصدرها مدير عام الإدارة العامة للجمارك بمنع استيراد أو تصدير نوع معين من البضائع باعتبار أنها من شأنها إنزال التأثيم على بعض الأفعال المباحة، ومن ثم فإنه لا مناص فيها من النشر في الجريدة الرسمية حتى تدخل حيز النفاذ.

وتابعت ان المادة (2) من القانون رقم 10 لسنة 2003 بإصدار قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي تنص على أنه: «يكون للكلمات والعبارات التالية –حيثما وردت في هذا النظام (القانون)– المعاني الموضحة أمام كل منها ما لم يقتض السياق معنى آخر: البضائع الممنوعة: البضائع التي تمنع الدولة استيرادها أو تصديرها بالاستناد إلى أحكام هذا النظام (القانون) أو أي نظام (قانون) آخر»، كما ان المادة (142) منه تنص على أن «التهريب هو إدخال أو محاولة إدخال البضائع إلى البلاد، أو إخراجها أو محاولة إخراجها منها بصورة مخالفة للتشريعات المعمول بها دون أداء الضرائب (الرسوم) الجمركية كليا أو جزئيا، أو خلافا لأحكام المنع أو التقييد الواردة في هذا النظام (القانون) والأنظمة والقوانين الأخرى».

بضائع ممنوعة

وأشارت المحكمة إلى أن المادة (145) من ذات القانون تنص على أنه: «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد تقضي بها نصوص أخرى نافذة بالدولة، يُعاقب على التهريب وما في حكمه، وعلى الشروع في أي منهما بما يلي: (4) إذا كانت البضاعة محل التهريب من البضائع الممنوعة، تكون العقوبة غرامة لا تقل عن قيمة البضاعة ولا تزيد على ثلاثة أمثال قيمتها، والحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات، أو بإحدى هاتين العقوبتين».

وأضافت: «لما كان الثابت من الاطلاع على التعليمات الجمركية رقم 26 لسنة 2011 الصادرة من مدير عام الإدارة العامة للجمارك بتاريخ 22/3/2011 أنها حظرت استيراد وتداول السجائر الإلكترونية في دولة الكويت، تنفيذا لتوصيات الهيئة التنفيذية لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي، تماشيا مع توجيهات منظمة الصحة العالمية والدراسات الحديثة بشأن هذا المنتج».

وزادت: «إذ كان الثابت من التحقيقات أن المتهم تمسك بعدم علمه بهذا الحظر، وبأن هذا النوع من السجائر ممنوع، وكان الثابت للمحكمة أن التعليمات الجمركية المشار إليها لم يتم نشرها في الجريدة الرسمية، كما انه لم يتم نشر أي قانون أو لائحة بحظر استيراد وتداول السجائر الإلكترونية لتتحقق بذلك الوسيلة القانونية التي وضعها المشرع الدستوري لإنذار أفراد المجتمع قبل عقابهم».

ولفتت الى انه «من غير المتصور –في شرعة العقل والقانون– افتراض علم الناس بكل ما يصدر من قوانين ولوائح في دولة الكويت بمجرد صدورها من الجهة المختصة دون نشرها في الجريدة الرسمية، الأمر الذي يخالف مبدأ الشرعية الجنائية الذي يُعد بلا جدال حجر الزاوية في القانون الجزائي والركيزة الأساسية للتجريم والعقاب فيه، ومن ثم تخلص المحكمة إلى القضاء ببراءة المتهم من التهمة المسندة إليه عملاً بنص المادة (172/1) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية».