يذكر إيلي لايك وجوش روغين أن الولايات المتحدة منذ الصيف الماضي قلصت من جهودها لتحديد المنتهكين الجدد للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وذلك ضمن إطار انفتاح دبلوماسي على حكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني المنتخبة حديثاً، حسبما يُفترض. تُعتبر هذه أخبار ممتازة. ويمكنك التأكد من أنها أخبار ممتازة لأن مَن يملكون أفكاراً سيئة وسخيفة عن العلاقات الأميركية- الإيرانية يعارضونها بشدة.

Ad

يوضح لايك وروغين أن الإدارة الأميركية واصلت فرض العقوبات على إيران، مستندة إلى القائمة الحالية من المنتهكين. ولكن في الأحوال العادية، كانت وزارة الخزانة الأميركية ستستمر في البحث بدأب عن منتهكين جدد، معتمدة على معلومات جديدة لتجمد أصولهم، وهكذا دواليك. كتب هذان الصحافيان أن وزارة الخزانة، "في لعبة الهر والفأر هذه"، اعتادت تحديد كيانات جديدة وإدراجها في خانة منتهكي العقوبات، مرغمة إيران على تبديل مسارها. ففي الأسابيع الستة التي سبقت الانتخابات الإيرانية في شهر يونيو، أصدرت وزارة الخزانة سبعة بلاغات حددت فيها منتهكين جدداً للعقوبات شملوا أكثر من مئة شخص وشركة وطائرة وسفينة بحرية. ولكن منذ 14 يونيو، يوم انتُخب روحاني رئيساً، لم تصدر وزارة الخزانة سوى بلاغين صنفا ستة أشخاص وأربع شركات كمنتهكين للعقوبات الإيرانية.

اقتبس لايك وروغين آراء تريتا بارسي من المجلس الوطني الأميركي-الإيراني، الذي يعتبر أن هذا التراجع في تحديد المنتهكين الجدد يمثل تقديم إدارة أوباما وسيلة إغراء لطهران لوحت بها أمام إيران خلال الانتخابات. فقد وعدت الإدارة بشكل مبطن: انتخبوا روحاني المعتدل وتوقعوا أن تروا بصيص نور في نهاية نفق علاقاتكم مع الولايات المتحدة. وبعد انتخاب روحاني وما تلاه من مفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، تُظهر الولايات المتحدة أنها ستقدم وسائل ترغيب مماثلة. ولا شك في أن تأكيدها أنها ستلتزم بوعودها بالغ الأهمية، خصوصاً أن التقارب الأخير بين هذين البلدين في مطلع العقد الماضي أدى إلى تعاون لصيق في أفغانستان، عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، استمر إلى أن قررت إدارة جورج بوش الابن فجأة وعلى نحو غير مبرر أن تندد بإيران، معتبرة إياها جزءاً من "محور الشر" إلى جانب العراق وكوريا الشمالية.

ولعل الوجه الأفضل لاستخدام الحد من تسمية منتهكي العقوبات الجدد كوسيلة لاستمالة إيران مدى مرونة هذه الوسيلة. فإذا تخلت إيران عن المفاوضات النووية، تستطيع وزارة الخزانة العودة بكل سهولة إلى تحديد المنتهكين الجدد وتعزيز أساليب فرض العقوبات. فمن الصعب إعادة فرض العقوبات بحد ذاتها، إن أعلنت الولايات المتحدة التخلي عنها صراحة، خصوصاً أن هذه الخطوة ستتطلب مشاركة حلفاء الولايات المتحدة. في المقابل، تتحكم واشنطن في عملية تحديد المنتهكين الجدد، ما يتيح للإدارة الإعراب عن نواياها الحسنة في المفاوضات من دون أن تُضطر فعلياً إلى التخلي عن أي أداة، مخافة أن تخفق المفاوضات.

لكن هذين الصحافيين أفادا بأن مارك دوبوفيتز المتشدد في مسألة العقوبات المفروضة على إيران يخالفهما الرأي. يذكر دوبوفيتز أن الإخفاق في تحديد هوية المنتهكين الجدد يعني أن الولايات المتحدة أتاحت لإيران بيع كمية كبيرة من نفطها في السوق السوداء منذ فصل الصيف. ونظرا إلى مدى انعكاس هذه التجربة الشبيهة "بمصباح علاء الدين" على هذه المسألة، يوضح دوبوفيتز أن "أوباما قرر، على ما يبدو، دخول البازار النووي الفارسي لعقد الصفقات مع أسياد التفاوض. وقد ألحق بنفسه خسارة كبيرة".

مع قراءة هذا الوصف، أتخيل أوباما واقفاً يحك مصباحاً فيه مارد نووي، فيجد نفسه فجأة هائماً على بساط سحري وهو يؤدي رقصة إغراء ماكرة. من أين يأتي هذا الرجل بمواده؟ انتظروا لحظة! أعرف الجواب:

قارن مسؤول الأميركيين بسياح يتجولون في بازار شرق أوسطي.

يوضح مسؤول إسرائيلي بارز رفض ذكر اسمه لأن نتانياهو طلب من حكومته التزام الصمت في هذا المجال إلى أن يخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع في نيويورك: "يستخدم الفرس هذه التكتيكات منذ آلاف السنين، قبل زمن طويل من ولادة الولايات المتحدة. ونخشى أن يحاول أوباما البحث عن مخرج".

من الضروري أن نضع حداً لهذا الخطاب الغريب عن "البازار الفارسي". فهو سخيف ومهين إثنياً، وهدفه حجب النظر عن سياسات عنيفة يدعمها أنصار القوة العسكرية في إسرائيل والمحافظون الجدد في الأوساط الأميركية، وذلك بجعل الناخبين الأميركيين يعتقدون أن أولئك التجار الأشرار المخادعين في أسواق طهران يتحايلون عليهم. لا يسعك إلا أن تتساءل: هل حاول أي من هؤلاء الناس التفاوض مع جيمي ديمون أو ميتش ماكونيل مثلاً؟ هل يعتقدون حقاً أن المفاوضين المهرة أكثر انتشاراً في الشرق الأوسط، مقارنة بمانهاتن أو واشنطن؟

في مطلق الأحوال، يبدو أن دوبوفيتز لا يعتقد أن على أوباما أن يقدم التنازلات لإيران في مجال العقوبات مقابل التفاوض للحد من برنامجها النووي. أو ربما يظن أن أوباما، إن قدم التنازلات، يجب ألا يلتزم بها. وهذا مثير للاهتمام لأن هدف العقوبات يُفترض أن يكون... حمل إيران على الحد من برنامجها النووي. وإذا رفضت الولايات المتحدة خفض العقوبات مهما كانت الظروف، فكيف يمكنها تحقيق هذا الهدف؟ وما هي غاية دوبوفيتز الحقيقية؟ إليكم وصفه لهدف العقوبات في مقال نُشر السنة الماضية في صحيفة National Post في تورنتو:

ذكر دوبوفيتز: "من المستبعد، في رأيي، أن يدفع الضغط الاقتصادي القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى التخلي عن التزامه ببناء قنبلة نووية".

... لكن العقوبات التي تشل قطاع النفط الإيراني وتحرم الحكومة بسرعة من عائدات أساسية قد تزعزع البلد إلى حد يصبح معه النظام معرضاً لخطر السقوط.

وكتب دوبوفيتز أخيراً: "لا شك في أن تصميم العقوبات لحمل خامنئي على التراجع مجرد وهم. لكن العقوبات التي قد تساهم في إثارة الاضطرابات الشعبية والسياسية قد تفلح. كان الحافز وراء الثورة العربية الكبرى وما سبقها من ربيع إيراني عام 2009 الاستياء العميق، فضلاً عن الغضب من الظلم والطغيان. ومن الممكن أن تُولد الثورة الديمقراطية من جديد".

نعم، ومن الممكن- مثلما هو الحال في قصص ألف ليلة وليلة- أن يطير 95 قرداً فارسياً أبيض من جهاز الطرد المركزي... فهذا محتمل أيضاً.