الإهمال والإهانة والاضطهاد أبرز السمات
أفلام تناقش مساوئ التعليم في مصر
شكَّلت مشاكل التعليم المصري، لا سيما الحكومي، محور فيلمي {لا مؤاخذة} و«أسرار عائلية}؛ يعرض الأول الاضطهاد المرتبط بالدين وخصوصاً في المدارس، إلى جانب الإهمال وطبيعة العملية التعليمية، بينما يتناول الثاني في جزئية منه الاضطهاد الذي يتعرض له طالب مثلي من أحد مُعلميه وأصدقائه الطلاب، وتأثير ذلك على حالته المرضية وتطورها.
يتناول فيلم «لا مؤاخذة» لمخرجه عمرو سلامة عدم قدرتنا على تصنيف بعضنا، وعدم تقبلنا للآخر، من هذا المنطلق يواجه البطل (الطفل أحمد داش) بعض مشكلات التعليم، ويتعرف إليها المشاهد من خلال رصد التضاد بين المدرسة الخاصة التي كان يدرس فيها والتحاقه بأخرى بعد وفاة والده.يلفت الفيلم، وفق تأكيد صانعيه، إلى تلك الإشكاليات، سواء المتعلقة بفكرة الاضطهاد أو طبيعة المنظومة التعليمية، التي باتت في أمس الحاجة إلى إعادة هيكلتها، نظراً إلى الأثار المترتبة عليها، ويجتهد الفيلم في عرض جوانبها كافة، غير أنه لا يطرح حلا معيناً ضمن الأحداث، لأن ذلك من مسؤولية الخبراء الذين هم أدرى بالأحوال وكيفية تحسينها.بالنسبة إلى {أسرار عائلية}، لم يقصد مؤلفه محمد عبد القادر رسم صورة عامة عن المدرسين أو التعليم، بقدر رغبته في إظهار مرحلة معينة في حياة المراهق المثلي مروان، تعرّض خلالها إلى أشكال متنوعة من الإهانة والاضطهاد والتمييز، سواء من أفراد أسرته، أو المدرسة التي تشكل مجتمع الشاب في هذه المرحلة العمرية.يوضح عبد القادر أنه قصد التركيز على المعلم الذي يتعمد إثارة حفيظة الطالب بعدما بات مثلياً بتشبيهه بالفتيات ومناداته باسم بنت، لأن مظهره الخارجي، وشعره الطويل، وبعض ملامحه تجعله أقرب إلى الفتيات.كذلك يدافع عبد القادر عن رد فعل هذا الطالب إزاء المعلم، عندما فكر في الانتقام منه من خلال الاستعانة به لإعطائه درساً خصوصياً في منزله، ليرد الإهانة له بطرق متعددة، كأن يستمع إلى شرحه وينفي فهمه له، فيضطر إلى إعادة الشرح، أو تناسيه إعطاءه المقابل المادي عن الحصة حتى يذكره به، أو يبعثر المال أمامه على الأرض ليجبره على الانحناء لجمعه، مشيراً إلى أنه قبل أن يكتب هذه القصة قصد أطباء في علم النفس الذين أكدوا له أن المثليين، تحديداً، لديهم رغبة شديدة في الانتقام، ولا يمكنهم التنازل عن ذلك مهما حدث.مبارك والفساد يوضح الناقد عصام زكريا أن الفيلمين يلفتان الانتباه إلى مشاكل التعليم، لا سيما بعد صراع القيمين عليهما مع الرقابة، كذلك ضغط المدرسين على الرقابة لمنعهما أو حذف أي إساءة، مؤكداً أن ما تم ذكره في الفيلمين أقل بكثير من الواقع الذي يعانيه التلامذة، كذلك المأساة والكوارث التي يعتبر نظام التعليم سبباً رئيساً فيها.ويستدل زكريا على رأيه بالنهضة الحديثة التي «أنشأها محمد علي، وإرسال البعثات التعليمية، واستدعاء العلماء لتعليم المصريين، واستمر الوضع على هذه الحال لمدة قرنين إلى أن أتى حكم الرئيس حسني مبارك، فأزال كل ما بناه محمد علي من خلال القضاء على العملية التعليمية، ووقف الموازنات، والفقر، فابتعد التعليم عن مهمته الأساسية، وتحوّلت المدارس إلى أماكن للابتزاز والسرقة والنصب تحت مظلة الدروس الخصوصية، لذا انهارت المنظومة».يتابع: «الأسوأ أن هذا الجهاز خرّج معلمين غير مؤهلين للعمل، وظهر الفساد في كل مكان، وانتقل بدوره إلى مؤسسة التعليم، لتكون الحصيلة في النهاية أخلاقاً منحدرة، وإمكانات ضعيفة في المدارس، ومستوى مهني ضعيفاً».يضيف أن مهمة أي عمل فني توعية المشاهدين بقضية ما، وليس معالجتها التي هي مهمة السُلطة الحاكمة، ومساعدة الخبراء في وضع حلول لها لأن المؤلف، مهما بلغت ثقافته، لا يعتبر اختصاصياً في إصلاح حال التعليم.مجرد إطاريرى الناقد رامي عبد الرازق أن قضية التعليم في الفيلمين ليست نقطة رئيسة في الصراع الدرامي بل مجرد إطار، موضحاً أنه في «لا مؤاخذة» اختار الكاتب المدرسة كمكان للصراع، ليبرز مدى الاحتقان الطبقي في مصر، وأسهل وسيلة لتبيان ذلك، إحضار طالب من مستوى مادي وطبقي معين، وفجأة يتراجع ليهبط إلى مستوى متدنٍ. وفي «أسرار عائلية» كانت مناقشة التعليم جزءاً من رسم الشخصية، «وفي حال حذفت هذه المشاهد، لن تتأثر الدراما، ولن نشعر بفقدان محور مهم للأحداث».يضيف أن سرد مراحل التعليم المختلفة يتطلب درجة أكبر للتناول من خلال الاقتراب من أطرافها، وهو ما لم يتوافر في الفيلمين، لذا لا يعتقد أن لهما علاقة مباشرة بالعملية التعليمية، بل مجرد اختيار أماكن أو بيئات تسكن فيها الشخصيات، وإن كان طرحها يفيد في التركيز على هذه المشاكل.