"نعم، نحن نستطيع علاج هذه الأمة. نعم، نحن نستطيع إصلاح هذا العالم. نعم، نحن نستطيع". بهذه التطمينات المفعمة بالحيوية والحماسة تعهد المرشح الشاب مدفوعاً بدعم قوي غير متوقع في مؤتمر إيوا الحزبي بالمضي في حملته. وبعد سنة، في شهر يناير من سنة 2009، أصبح ذلك المرشح رئيساً وانطلق للوفاء بوعده.

Ad

وبدا جلياً في العديد من الأوساط أن باراك أوباما يملك القدرة على علاج الأمة وإصلاح العالم، ومع قيامه بدور "الرجل الأقوى في العالم" بدت التوقعات التي أوصلته إلى المكتب البيضاوي مجرد أمنيات خلاص. وبدا الأمر كما لو كان نهاية نهاية فترة مظلمة ومحبطة من التاريخ الأميركي جسدتها أماكن مثل غوانتنامو وأبو غريب، وبداية لعصر جديد من الأمل، كما بدا أن كل شيء في متناول اليد، وهذا على الأقل ما كان يعتقده الكثير من الأميركيين.

وشاركت أعداد كبيرة من المراقبين والمحللين في هذه التوقعات السعيدة، وألقى نجم أوباما الصاعد، للحظات قصيرة، بأنواره على مناطق أخرى خارج الولايات المتحدة. وكان، أو بدا أنه، رئيسٌ للجميع، وكما لو أنها تتكلم نيابة عن البشرية جمعاء، صادقت لجنة نوبل على هذا مقترح ومنحت جائزة السلام السنوية على أسس تكهنات مستقبلية، لأن الرئيس الجديد لم يفعل في الواقع أي شيء لتحسين فرص السلام، بيد أن الهوس بأوباما كان يكتسح كوكب الأرض.

وبعد ست سنوات تبددت الحماسة تماماً، وفي سورية المحاصرة التي مزقتها الحرب عاد للأسف مرض شلل الأطفال، لكن عدوى "الهوس بأوباما" اختفت إلى غير رجعة.

وبالنسبة إلى الرئيس نفسه فالحكم قائم: عندما يتعلق الأمر بالعلاج والإصلاح، لا، لا يستطيع عمل ذلك. وفي استعادة للماضي يصعب فهم أسباب استسلام العديد من الناس للوهم القائل إنه قادر على القيام بذلك العمل.

في واشنطن، أسقطت وسائل الإعلام والتعليقات الصحافية الآن بشكل أساسي رئاسة أوباما، وأسهم طرح برنامج الرعاية الصحية الأخرق بصورة مذهلة من قبل الإدارة الأميركية في تعزيز صورة أوباما كرئيس انعزالي، وضعيف ولا يستطيع تماماً ملء موقعه في القيادة، وربما يهتم بلعب كرة السلة أو الغولف أكثر من اهتمامه بشؤون الحكم.

وتعزز فضيحة التنصت المستمرة هذا الانطباع. هل كان أوباما يعلم أن وكالة الأمن القومي تتنصت على مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل وعلى القادة الآخرين من الحلفاء أم لا؟ للإجابة عن هذا السؤال بشكل إيجابي يتعين طرح أسئلة خطيرة حول تقييم وحكم الرئيس. وللإجابة بشكل سلبي يعني وجود شخص آخر غير الرئيس على رأس أقوى مؤسسة أمن قومي في العالم.

ثم هناك خيبات الأمل على المسرح الدولي، خصوصاً في العالم الإسلامي. هل تذكرون الآمال التي أطلقها خطاب أوباما في القاهرة في شهر يونيو من سنة 2009؟ يومها عرض ذلك الخطاب الذي كان تحت عنوان "بداية جديدة" رؤية واسعة للتصالح بين الحضارات والشعوب المتخاصمة في ما بينها. أما من المنظور العملي لم تثمر رؤيته ما يستحق الالتفات إلى حد كبير. وعلى أي حال طرحت إنجازات أوباما الضرورية والمحمودة- انسحاب القوات الأميركية من العراق وقتل أسامة بن لادن- القليل من العوائد الاستراتيجية. وفي حقيقة الأمر، أظهر العراق إشارات على التحلل فيما أظهر تنظيم "القاعدة" قدرة بارزة على التوسع. وفي ما يتعلق بالأحداث التي ترسم حقاً مستقبل المنطقة- الثورات والانقلابات إضافة إلى التصرفات غير المساعدة من جانب حكومة إسرائيل- كان الرئيس متفرجاً أكثر منه صانعاً للحدث. ثم إن التهليل الذي يصم الآذان للترحيب بالمكالمة الهاتفية التي أجراها أوباما مع الرئيس الايراني حسن روحاني والاتفاق الذي أعقبها للحد بشكل ما من برنامج طهران النووي يعرض مقياساً للتوقعات المتردية التي غدت سمة الإدارة الأميركية الآن. وحتى لا ننسى: معتقل غوانتنامو الذي تعهد أوباما بإغلاقه خلال سنة لا يزال مفتوحاً. كما أن معظم المعتقلين فيه لم توجه لهم أي تهمة جرمية على الرغم من تمضية 12 سنة وراء القضبان وفي الحبس الانفرادي.

وبوجه عام، يتعين وصف سجل أوباما في الإنجازات بأنه متواضع، ولا غرابة أن الهتافات تحولت إلى سخرية، ويقول اتش إل مينكين "عندما أسمع استحسان الغوغاء لرجل أشعر دائماً بالشفقة عليه. وكل ما يتعين عليه فعله كي يسمع أصوات الاستهجان هو أن يعيش لفترة طويلة فقط". وقد عاش أوباما لفترة كافية للقيام بالرحلة من النجومية إلى شيء يراوح بين مادة مضحكة ومصدر شفقة.

من جهتها تحركت مواقع الأخبار الأميركية الرئيسة، وعلى الرغم من أن أوباما لم يصل إلى منتصف الطريق في ولايته الثانية، تحول الاهتمام نحو سباق الرئاسة في سنة 2016. ويقول الصحافيون إن حاكم نيو جيرسي كريس كريستي وهيلاري كلينتون انتهيا من ترشيح حزبيهما، والسباق التالي من أجل تمكين أميركا من إنقاذ العالم يوشك أن يبدأ.

وبعيداً عن قيمتها المسلية العابرة، فإن مثل تلك التكهنات الصحافية يمكن تجاهلها دون وجل، وفي مفهوم واحد فقط يمكن النظر إلى مسألة الانتخابات المقبلة: الانشغال المتنامي في سباق قبل ثلاث سنوات من موعده يشير إلى أن النزعة الطبيعية التي رفعت أوباما إلى مصاف نصف إله بدأت تؤكد نفسها ثانية الآن. ثم إن أوباما نفسه ربما تحول إلى ما يشبه الإنسان الفاشل، لكن الإعجاب بالشخصية الرئاسية الذي هيمن على السياسة الأميركية طوال عقود لا يزال مستمراً – وتلك مشكلة.

في الولايات المتحدة تخدم انتخابات الرئاسة كعذر يحتمي به الكثيرون لتفادي التفكير الجدي، وعلى الأقل منذ انتخاب جون كينيدي قبل أكثر من نصف قرن كان الفوز بمنصب الرئاسة ممارسة مسرحية. وكانت الصورة أكثر أهمية من الجوهر، كما أن الهدف من هذه الممارسة كان تحويل مرشح الحزب إلى شخصية، والجانب الذي يتمتع بقدر أكبر من النجاح في القيام بذلك العمل- أن تجسد شخصيته، مهما قصرت الفترة، مخاوف وتطلعات العدد الكافي من الناخبين لنيل الأكثرية في "المجمع الانتخابي"- يكون الفوز من نصيبه. كما يساعد في هذا المسعى تصوير مرشح الخصم على أنه ليس أهلاً للثقة حتى كونه شخصية رديئة وبغيضة.

وتتمثل النتيجة الحتمية بخلق توقعات مضخمة للمنتصر على أنه الشخص القادر على إعادة توجيه مجرى التاريخ. وكل واحد من آخر ثلاثة رؤساء- بيل كلينتون وجورج دبليو بوش إضافة إلى أوباما نفسه- قد أقنع نفسه كما يبدو بأن العناية الإلهية (والله في حالة بوش) قد دعته للقيام بذلك العمل. وكان كلينتون يتخيل أنه يستطيع القيام بعجائب العولمة لأمركة العالم، كما أن بوش تعهد في "حربه العالمية على الإرهاب بعد 11 سبتمبر بأن يقضي على الشر نفسه.

وعلى الرغم من ذلك فقد تبين أن توجيه التاريخ عملية مروعة ومثبطة للهمة. وبغض النظر عن الشخص الذي يمسك بالدفة فإن اتجاهات رأي خفية تتفادى سيطرة البشر. وتكمن بداية الحكمة في إدراك أن "أقوى رجل في العالم" ليس حقاً على ذلك القدر من القوة. كما أن عوامل التاريخ الحاسمة- بدءاً بالماضي نفسه- تسخر من الغرور السخيف للرؤساء ومن موجهيهم ومساعديهم.

وعليه سواء كانت القضية تتعلق بمجالات الثقافة أو الديانة (التوفيق بين الإسلام مع الحداثة)، أو بنمط إدارة الحكم (التوفيق بين مصالح الأمن الإيرانية ومصالح إسرائيل)، أو بالاقتصاد السياسي (التوفيق بين شهية أميركا للاستهلاك وتراجع قدراتها المالية)، فإن التطلع إلى الرئيس من أجل "إصلاح المشكلة"، هو الغرق في وهم كبير يفضي حتماً إلى خيبة أمل. والأسوأ من ذلك أن هذا الوضع يضاهي التخلي الجماعي عن المسؤولية من جانب المواطنين الذين يتعين عليهم الآن معرفة ما هو أفضل.

ويستحسن أن يعمد الأميركيون، ومعهم بقية العالم، إلى خفض توقعاتهم من الإنجازات المحتملة من أي رئيس. ويشكل هذا العمل الخطوة الأولى الضرورية نحو إعادة السياسات الأميركية إلى طائرة أكثر واقعية حيث يكون بوسع المرء الجلوس على المقعد الخلفي لحل مشكلات يمكن حلها مع توجيه أكثر وضوحاً لتلك التي يصعب حلها. وبدلاً من الوعد بتحقيق سلام عالمي، على سبيل المثال، الاكتفاء بتحقيق توازن في الميزانية.

على الأميركيين الذين لا يهتمون بالمسار الذي اتبعته بلادهم في السنوات الأخيرة ألا يوجهوا اللوم إلى أوباما، بل إلى أنفسهم، وأولئك الذين يتخيلون أن وصول كريستي أو كلينتون إلى سدة الرئاسة سيحقق ما هو أفضل، لم يكونوا يعيرون انتباهاً إلى ما يجري ويستحقون تماماً ما ينتظرهم، وبعد كل شيء كان هناك منقذ واحد، حتى محاولاته الرامية إلى المعالجة والإصلاح قوبلت بما هو أقل كثيراً من النجاح التام.

Andrew J.Bacevich *بروفيسور التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة بوسطن.