هزت فضائح الفساد السياسي الكبيرة حكومة "أردوغان" التركية، حيث ترتب عليها تفكك التحالف السياسي بين "حزب العدالة والتنمية" وحركة "فتح الله غولين" السرية والثرية جداً التي تمارس أنشطة متعددة في تركيا والعالم، ويتزعمها رجل الدين المقيم في أميركا منذ عام 1999، وهو التحالف الذي مكّن حزب العدالة والتنمية من الوصول إلى الحكم منذ عام 2002.
فضائح الفساد السياسي الكبيرة التي تواجه حزب "العدالة والتنمية" هزت صدقيته أمام الرأي العام التركي والعالمي، وكشفت المبالغة الإعلامية الضخمة التي كانت تتحدث عن "النجاح الباهر" لما يسمى بـ"النموذج التركي" وتسويقه كنموذج مثالي للحكم الصالح والرشيد خصوصاً في دول الشرق الأوسط. كما كشفت الفضائح السياسية مشكلة غياب الشفافية في الحكم (التحالف مع حزب سري) والتدخل السياسي في أعمال السلطة القضائية، حيث قال المدعي العام التركي "يجب أن يعلم كل زملائي والجمهور أيضاً أنني كمدع عام مُنعت من إطلاق تحقيق"، مُلمحا لضغوط تمارسها الشرطة على القضاء!على أي حال الشأن الداخلي التركي خاص بالأتراك، فالشعب التركي هو من سيقرر مصير حكومة أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" ذي التوجهات الاقتصادية "النيوليبرالية" الداعية إلى الخصخصة الشاملة واقتصاد السوق المنفلت أو غيره من الأحزاب.لكن المثير للاستغراب هو خلط الأوراق الذي يمارسه "الأردوغانيون العرب" عندما يدافعون بعصبية وحماس منقطع النظير عن حكومة رجب طيب أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" سواء بالحق أو الباطل على نمط العصبية القديمة "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، ثم يتجاوزون، وهم في غمرة دفاعهم المستميت، الحقائق المعروفة، كما هي عادة المتعصبين دائماً، فلا يجدون ما يقولونه للرد على من ينتقد حكومة أردوغان خصوصاً بعد استشراء الفساد السياسي هناك، أو من يتضامن مع حراك الشعب التركي سوى توجيه تهم معلّبة ومستهلكة لهم مثل "علمانيون"، وهو الأمر الذي يفضح إما تضليلهم للرأي العام وإما جهلهم بطبيعة النظام السياسي التركي.فتركيا دولة علمانية بحسب الدستور، ونظامها السياسي يقوم على التعددية وتداول السلطة، وهو نظام مستقر من ناحية آليات الحكم الديمقراطية وقواعده العامة، لهذا فليس مهماً من يحكم سواء حزب العدالة والتنمية (الإخوان المسلمين) أو غيره من الأحزاب السياسية، فالقواعد الدستورية المتوافق عليها وطنياً هي التي تحدد ليس فقط من يحكم، بل كيف يحكم أيضاً (آلية ممارسة الحكم)، لهذا دعا أردوغان المصريين أثناء زيارته للقاهرة إلى إقامة جمهوريتهم الجديدة على أسس علمانية، ووضع الدستور استناداً إلى مبادئ العلمانية! ويكمل أردوغان وهو يوجه حديثه من القاهرة لمن التبس عليه الأمر... "إن هناك تعريفاً للعلمانية في دستور 1982 التركي ينص على أن الدولة العلمانية هي التي تكون لها مسافة متساوية من كل الأديان، وهناك جدل كبير في المفاهيم الاجتماعية حول العلمانية والتطبيق لمفهوم العلمانية في دولة معينة يختلف بالتأكيد عن كل الدول الأخرى، وهذا هو الرد الذي أوجهه لمن يندهش من تطبيق النظام العلماني في تركيا. قد أكون رئيس وزراء تركياً مسلماً لكنني في النهاية أحكم دولة علمانية، والدولة العلمانية لا تعني علمانية مواطنيها لأن الأشخاص لهم أديانهم المختلفة، ولكن الدولة هي التي تتصف بالعلمانية، وأقول للمصريين الذين يرون أن الهدف من العلمانية هو نزع غطاء الدين عن الدولة أو أنها دولة كافرة أنتم مخطئون؛ لأن الهدف من تطبيق العلمانية في تركيا مختلف وهو احترام كافة الأديان". (حلقة 12 سبتمبر 2011 من برنامج العاشرة مساء- (قناة دريم 2). والآن إذا كان هذا ما يقوله أردوغان ذاته عن العلمانية وتطبيقها في تركيا، أليس مضحكاً، بعد ذلك، ألا يجد "الأردوغانيون العرب" غير "تهمة" العلمانية للرد على من ينتقد الفساد السياسي المستشري في حكومة أردوغان والذي اضطره لتغيير أغلب أعضائها؟! لو كانت العلمانية تهمة كما يزعمون فالأولى أن يتهم بها أردوغان وحزبه (الإخوان المسلمون)، فقد رأينا كيف كان يدافع عنها بحماس منقطع النظير!أخيراً، بعد كل هذه المآسي والكوارث التي مرت على شعوبنا ولا تزال فإن هناك ضرورة لقيام العناصر والتيارات السياسية، ومن ضمنها من تدعي أن مرجعيتها دينية بمراجعات فكرية وسياسية ونقاشات موضوعية تُبنى على الصراحة ونقد الذات وتقبل وجهات النظر الأخرى بعيداً عن التهم المعلبة والمصطلحات الفضفاضة والشعارات النظرية التي لم تجن منها شعوبنا سوى الدمار والفقر والتخلف.
مقالات
تركيا العلمانية و«الأردوغانيون» العرب
30-12-2013