طوال حقبة من الزمن ظل دور {الأم}، على شاشة السينما المصرية، حكراً على الممثلات اللواتي تقدم بهن العمر، مثل: فردوس محمد، أمينة رزق، عزيزة حلمي، زوزو نبيل وكريمة مختار، وذلك بسبب الرفض القاطع، من جانب النجمات الشابات للدور الذي يعني، حسب قناعاتهن، أنهن اقتربن من {الشيخوخة الفنية}، وينظرن إلى ترشيحهن له بوصفه إهانة في حقهن، وإقراراً ضمنياً بأن الزمن هزمهن، والجمال فارقهن، والشيخوخة دبت في أوصالهن!
قناعة تكشف تراجعاً واضحاً في وعي ممثلاتنا، وتُشير إلى ثقافتهن الفنية المحدودة، مقارنة بالفهم الدقيق لمعنى التقمص، والاستيعاب العميق لمتطلبات الدراما، من جانب ممثلات السينما العالمية اللواتي لم تؤرقهن تلك النقطة، في حين احتاجت السينما المصرية إلى عقود ليتسنى لها تغيير هذه {الثقافة}، التي جعلت {فاتن حمامة} لا تقترب من دور {الأم} سوى في عام 1972 عندما أدت دور أم لستة أولاد في {إمبراطورية ميم}، ثم كررت التجربة في {أرض الأحلام} (1993)، وكانت أكثر جرأة عندما أدت دور أرملة تعول خمسة أولاد في فيلم {يوم حلو يوم مر} (1988)، بينما اقتربت رفيقة دربها {ماجدة} من دور {الأم} بعد 39 عاماً من دخولها الساحة الفنية (1949)، كان ذلك في الفيلم التلفزيوني {عندما يتكلم الصمت}، ثم عادت لتؤدي الدور في الفيلم التلفزيوني {ونسيت أني امرأة} (1994)، وفي الفيلمين كانت أماً لابنتها الحقيقية! اللافت أن {هند رستم} التي قدمها المخرج حسن الإمام، عبر الملصق الدعائي لفيلم {بنات الليل} (1955)، مسبوقة بلقب {الوجه الجديد}، كانت أكثر شجاعة من {فاتن} و}ماجدة} عندما وافقت على أداء دور {الأم}، وهي وجه جديد، ثم كانت أكثر جرأة عندما أدت في {الحب العظيم} (1957)، دور زوجة وأم لفتاة خرساء، تكتشف أنها مصابة بالسرطان وأيامها في الحياة معدودة، فتضرب أروع مثالاً للأمومة عندما تختار صديقتها زوجة لوالد طفلتها الخرساء، لكي تضمن للطفلة زوجة أب تحنو عليها وترعاها. والملاحظ أيضاً أن {شادية} فعلت الأمر نفسه عندما أدت دور أم {شكري سرحان} في {المرأة المجهولة} (1959) لكنها تراجعت سريعاً، وامتنعت، طوال فترة الأربعين عاماً، التي قدمت خلالها ما يقرب من 112 فيلمًا، عن تجسيد دور {الأم}، إلى أن أدت دور أم لأربعة أولاد في {لا تسألني من أنا} (1984)، وتشاء الأقدار أن تعتزل بعده، وتقول في حوار صحافي: {أردت الاعتزال في عز مجدي، لأنني لم أشأ الانتظار حتى تهجرني الأضواء، ولأنني لا أحب أداء دور أمهات عجائز في الأفلام في المستقبل، بعدما اعتاد الناس رؤيتي في دور بطلة شابة، ولا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي ويقارنوا بين صورة الشابة التي عرفوها والعجوز التي سيشاهدونها؛ فأنا أريد أن يحتفظوا بأجمل صورة لي عندهم}! وجهة نظر عفوية لكنها تعكس في طياتها {الثقافة} التي تربت عليها نجماتنا، وكانت سبباً في امتناع كثيرات منهن، باستثناء حالات نادرة، عن أداء دور {الأم} على الشاشة؛ ففي رصيد {سعاد حسني} ما يقرب من 91 فيلمًا، لكنها أدت دور «الأم» في فيلمين فحسب هما: «غريب في بيتي» (1982) و{الراعي والنساء» (1991)، كذلك الحال مع «نجلاء فتحي» التي ظهرت للمرة الأولى عام 1966، وأدت دور الأم في فيلمي «لعدم كفاية الأدلة» (1987) و{أحلام هند وكاميليا» (1988)، ولم تُكمل تجربة الأمومة في فيلم «غدا سأنتقم» (1980) لأنها فقدت طفلها في السجن! أما «يسرا» فقدمت دور أم لطفل في «امرأة آيلة للسقوط» (1992) وجسدت شخصية أم لشابين في «العاصفة» (2001)، وبعد أربعة أعوام أعادت التجربة في «ما تيجي نرقص» ثم «جيم أوفر» (2012).من بين 142 فيلماً، أدت إلهام شاهين دور الأم، على استحياء، في «دانتيلا» (1998) و{خالي من الكوليسترول» (2005)، وبشكل أكثر جرأة في «خلطة فوزية» (2009)، بينما اكتفت ليلى علوي بدور واحد في «بحب السيما» (2004)! المفارقة أن نجمات الجيل الجديد، مثل: حنان ترك، منى زكي، منة شلبي وياسمين عبد العزيز، اتبعن «القاعدة» نفسها، واعتنقن «الثقافة» ذاتها؛ بدليل أن الأولى قدمت صورة باهتة للأم في «إبراهيم الأبيض» (2009)، بينما جسدت الثانية الأم التقليدية في «سهر الليالي» (2003) و{ولاد العم» (2009)، واكتفت الثالثة بمرور عابر في «واحد من الناس» (2006) و{الحياة منتهى اللذة» (2005)، واقتربت الرابعة من الدور بشكل فانتازي في «الآنسة مامي» (2012) ليؤكدن حقيقة تجاهلناها طويلاً، تقول إن بين نجماتنا وأدوار «الأم» قطيعة تاريخية!
توابل
فجر يوم جديد: قطيعة تاريخية!
20-03-2014