يوم الخميس 24 أكتوبر الماضي كنت الضيف في برنامج "الملف" الحواري على قناة "الصباح" الكويتية، وسأل مقدم البرنامج عن توقعاتي فيما يخص قانون التظاهر، وكان القانون في مرحلة الإعداد "التفصيل" فقلت له: ما أتوقعه أن يأتي القانون تطبيقا للمثل الشعبي "سليم متكسرش... ومكسَّر ما تَكُلش... وكُل لمّا تشبع"، وقلت له لننتظر ونرَ.

Ad

وصدر القانون وليته لم يصدر، فقد جاء أسوأ بكثير مما توقعت، فالمثل الشعبي يفترض وجود طعام والمشكلة في الخبز، وجاء القانون بلا خبز ولا طعام ولا شَربة ماء تنقذ المواطن الظمآن للحرية والديمقراطية.

قبل الحديث عن القانون ومواده المضحكة المبكية نتحدث عن فلسفته، فلكل قانون فلسفة تعبر عنه وعن قيمته في المجتمع ودوره في رقيه وتقدمه، فما هي فلسفة قانون التظاهر؟

بداية فالنظام القائم كما يدَّعي يستند إلى شرعية الشارع (ليست شرعية الشعب التي يعبر عنها الصندوق) والأعداد التي خرجت تطالب بوجوده، أي يستند إلى حق التظاهر، فأن يأتي الانقلابيون الآن ويمنعوا- يخنقوا إلى درجة الموت- التظاهر فهذا معناه أنهم لا يؤيدون التظاهر، فكيف يدَّعون شرعية لشيء لا يؤمنون به؟ بالتأكيد- كي لا يسارع بعض فقهاء القانون بالاعتراض- أنا لا أتحدث عن تطبيق القانون مثلاً بأثر رجعي وعقاب المتظاهرين في 30 يونيو- لا سمح الله- وبالتالي انعدام شرعيتهم المنعدمة أصلاً، ولكن أتحدث عن الرأي والفكر ونظرتهم للتظاهر وأهميته وتقبلهم لنتيجته. أليس غريباً وعجيباً أن تكون هذه نظرتهم له وفي ذات الوقت يتبجحون ويتحججون به في بقائهم مغتصبين للسلطة الشرعية؟!

والنقطة الأخرى- في فلسفة التظاهر- تجاهل المشرع عمداً لطبيعة التظاهر، فالتظاهر (تنظيماً أو مشاركة) هو أمر عفوي بالفطرة لا يتم غالباً الإعداد له، والكثير من التظاهرات تكون رد فعل تلقائياً لأحداث آنية أو قرارات فورية، فهل يمكن مثلاً أن أنتظر أسبوعاً للتظاهر رفضاً لمقتل طالب برصاص "الداخلية" اليوم؟! أو أنتظر تحديد موعد للتظاهر تعبيراً لرفض أحكام قضائية ظالمة صدرت بالأمس؟ ومن سيوافق على التظاهر رفضا لـ"الشامخ"؟ وتظاهرات يناير 77 خير مثال على ذلك، فقد جاءت عفوية تلقائية فور صدور قرارات رفع الأسعار.

التظاهرات ليست مباريات كرة قدم لها جدول يتم وضعه في بداية الموسم، وإن كان السيد محافظ السويس قد جعلها كذلك حين أصدر فرماناً بالأمس- بناء على قانون التظاهر- بأن يكون استاد السويس فقط هو المكان المسموح بالتظاهر فيه!... "والله هذه حقيقة وليست نكتة".

ولا أدري ما "الهدف"؟ هل مثلا لوجود بوابات حديدية يتم تفتيش المتظاهرين ومنع "التسلل"؟ أم لتمكين الشرطة من "الهجوم" على المتظاهرين وتسجيل "ضربات جزاء" بحقهم؟ أم أنه ينوي إسناد المظاهرات إلى شركة تسويق وبيع تذاكر لمن يريد مشاهدة المباراة- عفواً التظاهرة؟!

وإن كان هذا تفكير سيادته فمن الآن أتقدم بطلب لحجز تذكرة لنهائي تظاهرات الموسم القادم الذي من المتوقع أن يكون بين تظاهرة عمال شركات الأسمنت أمام تظاهرة أهالي حوادث القطارات... ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* يبدو أن بعض كتّاب النخبة والصف الأول ونظراً لمسؤولياتهم الكثيرة ومشاغلهم الدائمة لا يجدون الوقت الكافي للقراءة والمتابعة، فيلجؤون إلى مساعديهم لتلخيص المقالات الأخرى والحوارات، ويقومون هم بالرد أو التوقيع على ما يُعدّه المساعد، فتأتي مقالاتهم مسخاً يشوبها الكثير من العوار والنقصان، ولا تليق بأسمائهم الرنانة وسمعتهم الطيبة، فهل ذلك مسؤولية الكاتب الذي يضع توقيعه أم مسؤولية المساعد الذي لخص وأعد؟

* أن يجيب الإنسان عن سؤالين من 13 فهل يعتبر نفسه ناجحاً أم متفوقاً أم...؟ وإلى مقال آخر إن كان للحرية متسع.