الشاعرة صليحة نعيجة: الترجمة سبيل رئيس للتقدم الأدبي

نشر في 05-01-2014
آخر تحديث 05-01-2014 | 00:02
تدعو الشاعرة الجزائرية صليحة نعيجة إلى استلهام تجارب الهند وتركيا في الترجمات الأدبية لإيصال صوت الأدب العربي إلى اللغات العالمية البائدة والحية، وما إليها من لغات الأقوام الأخرى للتلاقح الإيجابي الفاعل، مؤكدة أن هذه الدول عرفناها بفنها وأدبها، وقد وصلا إلينا عبر الترجمة إلى اللغة العربية فلماذا لا يحدث العكس؟!
صدرت لك دواوين «الذاكرة الحزينة» و»زمن لانهيار البلاهة وعهد قيصر» و»ما لم أبح به لكم»، كيف تقيمين هذه الأعمال وأيها الأقرب إليك؟

سؤال مستفز جداً، لا يمكن إلا أن يكون فخاً مباشراً على ذكائه، لكنني سأقاوم سحره بالامتناع عن الاعتراف، لأنه اعتراف صعب للغاية أن تؤثر عملا على آخر أنجبته من الرحم نفسه، فلكل ديوان ظروفه، أي ظروف الكتابة والنشر والانتشار أيضاً.

العمل الذي لقي رواجاً ودراسات أكثر هو «ما لم أبح به لكم»، الصادر عن «دار فضاء حر» المرموقة للدكتورة الشاعرة زينب الأعوج، وكان محور تقديم وقراءات لأساتذة ونقاد من العراق والمغرب وفلسطين ومصر، وأدى التواصل على الإنترنت دوراً في تمرير هذه الأعمال إلى القارئ العربي، لكن الأعمال التي أشعر بأن ذاتي فيها فهي «الذاكرة الحزينة» و»زمن لانهيار البلاهة وعهد قيصر».

ماذا عن مجموعتك القصصية «ها هناك»؟ وهل ثمة تعارض بين كتابة الشعر والقصة؟

هذه المجموعة بالذات كتبتها وأنا أسيرة حالة معينة، ودونتها دفعة واحدة خلال سنة. وفور خروجي من تلك الحالة قررت إلغاءها لأنها، على صدقها ولغتها الشعرية العالية، جريئة جداً وأرفض أن تعريني تماماً فتفضحني، إذ مارست فيها نوعاً من العلاج للخروج من تلك الحالة. وبعدما شفيت أعترف بأنني أرفض أن تخرج إلى الوجود بشكل ورقي، لأنها لن تضيف إلي الكثير، الآن أراها تتشابه وكتابة مذكرات جندي في الأسر أو أمير منفي من بلده ... مجرد حنين عابر لا يستحق التأريخ له.

تكتبين قصيدة النثر أيضاً، وثمة من يتهمها بأنها مجرد خواطر شخصية ولا ترقى إلى مستوى قصيدة التفعيلة، فما رأيك؟

لا يهمني ما يقال عن قصيدة النثر، لأنني لا أبحث عن اعترافهم. حتى التفعيلة لم تكن إلى زمن معين معترفاً بها، ونحن أمام تطور هائل للنظريات نتجت منه أقلام عربية تحاول الاقتراب من الهايكو والومضة والهبرتكست...

أكتب قصيدة النثر لأنني مؤمنة بها وتستوعب أفكاري، وثمة متتبعون لتجربتي انتبهوا إلى حضور الوزن والتفعيلة في نصوص من دون أن أتعمد ذلك، هذا دور الأذن المتلقية التي تتذوق وتغذي نصوصي بالإيقاع، ما يؤكد أنني أكتب التفعيلة «من دون قصد»، ولست عاجزة البتة عن نظمها، مع أنني أتلافاها.

أتمنى أن أطور من أدواتي كي لا ألوك «كلاما» على مقاييس القدامى، لأنني لن أنجح وأنا ألبس عباءتهم الشعرية، ولست أبحث على وصايتهم. أسعى إلى أن أكون وفية لنفسي من خلال نصوصي، ولرسالتي إلى العالم والناس من خلال الشعر.

كيف يمكن استثمار الربيع العربي لصالح الأدب؟

بإثراء حركة الترجمة وتعميقها واستلهام تجارب الهند وتركيا في الترجمات الأدبية، لإيصال صوت الأدب العربي إلى اللغات العالمية البائدة والحية، وما إليها من لغات الأقوام الأخرى للتلاقح الإيجابي الفاعل. وهذه الدول، على سبيل المثال، عرفناها بفنها وأدبها، وقد وصلا إلينا عبر الترجمة إلى اللغة العربية، فلماذا لا يحدث العكس؟

ماذا عن الروافد والتجارب التي شكلت وعيكّ الإبداعي وصقلت موهبتك الأدبية؟

لا يأتيني الإلهام من الأدب نفسه شعراً ونثراً ونقداً، لكنني أدمنت قراءة العلوم الإنسانية في سن مبكرة، خصوصاً علم النفس والتاريخ وعلم الاجتماع والدين، في مراهقتي، وهذه الروافد جعلتني أنهل منها بشراهة لكنها لا تشفي غليلي كمتلقية بعيداً عن الشاعرة، مع ذلك كنت إنسانة تعشق المغامرة والانفتاح على الآخر وفهم حدوده وجغرافيته وطقوسه، وللاقتراب من هؤلاء كانت دراساتي للغات المجال الأخصب الذي يقودني إلى كل التخصصات بالفعل، فبتخصصي لغة إنكليزية اقتربت من الثقافة العامة والأدب البريطاني والأميركي وأدب العالم الثالث «الإفريقي» نموذجاً. كذلك درست الحضارات السحيقة وتخصصت في الحضارتين الأميركية والبريطانية، وكانت لهما مقاييس أخرى كعلم النفس وعلم النفس التربوي و... إلخ.

بمن تأثرت في كتاباتك الشعرية عربياً وعالمياً؟

ما أكثر الأسماء التي أحببتها في مراهقتي، انتبهت إلى الرصافي، أحببته كثيراً وقلدته في مواضيعه الاجتماعية، قبله أدمنت روائع علي محمود طه القومية بعشق مبالغ فيه، مقلدة كل المنادين «أخي جاوز الظالمون المدا... فحق الجهاد وحق الفدا». في المرحلة الثانوية كنت متيمة بالشابي حد الوله، وأقرأ أحمد مطر سراً لأن كتبه كانت ممنوعة، ولقد ساعدني ذلك في تهذيب شخصيتي غير المنصاعة.

 الأمر نفسه لمسته بحدة أقل لدى نزار قباني في الشعر السياسي الذي أدمنت قراءته بعدما عزفت عن غزلياته لأنتهي بمحمود درويش، أسطورة القرن الذي لا يمكن إلا أن يكون مسك الختام الذي لا يحتاج إلى وصف، بل هو الشعر كله، من دون أن أهمل الشاعرين مظفر النواب والماغوط.

عالمياً، لا أنكر مدرسة ت. س. إليوت، أزرا باوند، وليم بتلر ييتس، لوركا، إدغار ألان بو، وكثيرين في الفن الروائي الإنكليزي والأميركي والإفريقي.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

قريباً ستصدر لي مجموعة شعرية بعنوان «لماذا يحنّ الغروب إليَّ؟» عن دار «فيسيرا» للنشر والتوزيع في الجزائر، وهي دار نشر مهمة لها سمعة وتعامل راقٍ مع المبدعين، كذلك ستصدر الطبعة الثانية لـ «زمن لانهيار البلاهة وعهد قيصر» عن «دار أسامة للنشر والتوزيع».

back to top