ما قل ودل: على هامش بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر

نشر في 16-02-2014
آخر تحديث 16-02-2014 | 00:01
 المستشار شفيق إمام بيان المجلس حول ترشح السيسي

على هامش البيان الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن ترشح السيسي لرئاسة مصر، والضجة التي أثارها هذا البيان، وقد اعتبرت جماعة "الإخوان" أن هذا البيان قد أسقط القناع عن حقيقة ما حدث في 30 يونيو، وأن ما حدث -حسب زعمهم- كان انقلاباً عسكرياً، وليس ثورة، خرجت فيها أضعاف الحشود التي خرجت في 25 يناير لتطالب برحيل نظامهم، وحماها الجيش كما حمى ثورة 25 يناير، وهو ما كررناه ونظل نكرره في كل مقال، وفي كل مناسبة، لعلهم يفقهون.

ولكن من حقي ومن حق كل مواطن أن يطرح بعض الأسئلة هي:

هل كان هناك أي ضرورة لصدور هذا البيان من المجلس؟

وهل يرسخ هذا البيان لدور للمجلس في السباق الرئاسي؟

وما هو دور الجيش على خارطة مستقبل مصر؟

أسئلة مشروعة نحاول الإجابة عليها من خلال وضع النقاط على الحروف في هذه المسألة، بدءاً من استعراض بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

منطلقات البيان:

ينطلق البيان الصادر في 27 يناير 2014 من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، من أمرين أساسيين أولهما: أن قوى الشعب والجيش كانا معاً في خندق واحد منذ ثورتي 25 يناير و30 يونيو، عندما تحملا معاً المسؤوليات الجسام لتحقق أهدافهما المشتركة في حفظ أمن الوطن واستقراره، ثانيهما: رغبة جماهير الشعب العريضة في ترشيح (الفريق الأول) لرئاسة الجمهورية، وهي تعتبره تكليفاً والتزاماً، وأن ثقة الجماهير فيه نداء يفترض الإجابة له في إطار الاختيار الحر لجماهير الشعب.

إشادة البيان بالسيسي

ويشيد البيان بما قام به "الفريق أول" /عبدالفتاح السيسي منذ توليه مهام منصبه من أعمال وإنجازات لتطوير القوات المسلحة، ورفع كفاءتها القتالية، والارتقاء بمهارات أفرادها وشحذ روحهم المعنوية.

نتائج خلص إليها البيان:

وقد انتهى المجلس إلى نتيجتين:

الأولى: أن لـ"الفريق أول"/ عبدالفتاح السيسي أن يتصرف وفق ضميره الوطني ويتحمل مسؤولية الواجب الذي نودي إليه.

الثانية: ان الحكم في هذا الأمر هو لصوت جماهير الشعب في صناديق الاقتراع، وأن المجلس في كل الأحوال يعتبر أن الإرادة العليا لجماهير الشعب هي الأمر المطاع والواجب النفاذ في كل الظروف.

الالتفاف الشعبي حول السيسي

ولا أحد ينكر الالتفاف الشعبي حول المشير السيسي، وأن هذا الرجل قد توسد قلوب الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب عندما حمى ثورته في 30 يونيه، وجنب الشعب حرباً أهلية توعدت بها جماعة "الإخوان" كل من ينزل في هذا اليوم إلى الشارع، مثلما هددت بحمامات من الدم، إن لم تعلن لجنة الانتخابات الرئاسية في يونيو 2012 فوز الرئيس المعزول.

ولم ينحن لتهديدات الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي بالتدخل لإعادة الرئيس المخلوع، أو بقطع المعونات عن مصر، وظل على إصراره في الدفاع عن هذا الشعب، لاسترجاع سيادته، التي سلبها منه نظام زرع الإرهاب في أرض الفيروز سيناء، ليقوض الدولة وجيشها، فأعلن السيسي عليه حرباً لا هوادة فيها ليجتثه من جذوره.

وإن هذا الالتفاف الشعبي حول السيسي، والتفاف الجيش حول قائده، هو ما أملى على المجلس أن يعلن موقفه من ترشح السيسي لانتخاب الرئاسة.

سابقة خطيرة في السياق الرئاسي:

ومع ذلك فإني لا أكتم خشيتي من أن البيان الصادر من المجلس، قد يرسخ لسابقة خطيرة حول دور الجيش على الخريطة السياسية، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة هو مجلس عسكري احترافي، وأن العسكريين ليس لهم أصلاً حق الانتخاب، وأنهم يجب أن يحتفظوا بحيدتهم بين المرشحين كافة لانتخابات الرئاسة، ولو كان من بينهم من له خلفية عسكرية، وأن تأييد المجلس لمرشح دون آخر، قد يصبح سابقة خطيرة، تمهد لأوخم العواقب وهو أن ينقسم الجيش على نفسه، إذا تقدم للترشح أكثر من مرشح له خلفية عسكرية، واختلفت فروع الجيش التي ينتمي إليها المرشحون.

انقسام الجيش في أزمة 1954:

وهو ما يعيد إلى الأذهان، انقسام بعض وحدات الجيش في الأزمة التي نشبت بين الرئيس الراحل محمد نجيب والرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فقد اجتمع أنصار الرئيس محمد نجيب من الضباط والجنود في ثكنات سلاح الفرسان، بقيادة خالد محيي الدين، وهو أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة لتأييد نجيب في موقفه من هذه الأزمة، في الوقت الذي كان يجتمع فيه الفريق الآخر المؤيد لاستمرار الجيش في حكم البلاد في مبنى القيادة، وتحركت فعلاً بعض وحدات المدفعية المضادة للدبابات لمحاصرة السلاح، واعتقلوا بعض ضباطه في الشوارع قبل وصولهم إلى السلاح للانضمام إلى زملائهم. وأصدر علي صبري ووجيه أباظة أوامرهما إلى سلاح الطيران بتحليق بعض الطائرات فوق سلاح الفرسان، استعراضاً لقوة الفريق الآخر، وكان الصدام المسلح وشيك الوقوع لولا عناية الله، وقد أدى إقحام الجيش في السياسة، إلى إقصاء كثير من الضباط من الجيش ومحاكمة البعض الآخر وفصله، ما أدى بلا جدال إلى إضعاف قدرات الجيش.

لم يكن لهذا البيان ضرورة:

بالرغم من أن المجلس قد صادفه التوفيق حين قصر إشادته للسيسي على إنجازاته في تطوير هذه القوات وفاءً للقائد العام للقوات المسلحة، الذي أوشك على ترك منصبه، ونأى المجلس بنفسه عن الخوض في الدعاية لقائده، في السياق الرئاسي.

وبالرغم من العبارات الواضحة التي حفل بها هذا البيان، من أن الحكم في هذا الأمر سوف يكون لصوت جماهير الشعب.

وأن المجلس يعتبر أن الإرادة العليا لجماهير الشعب هي الأمر المطاع والواجب النفاذ في كل الظروف.

فإنه لم تكن هناك ضرورة لهذا البيان، الذي قد يزعزع ثقة البعض في حياد القوات المسلحة بين المتنافسين في السباق الرئاسي.

فإنه من المعلوم أن ما تموج به مصر من أحداث عنف وإرهاب تفرض على القوات المسلحة في هذا السياق الرئاسي، واجبين أساسيين متلازمين أولهما: واجب مشاركة الشرطة في التصدي للإرهاب والعنف اللذين يدبران بليل لإفساد انتخابات الرئاسة، وإجهاض خارطة الطريق التي ارتضتها القوى السياسية والشعبية والثورية، عقب ثورة 30 يونيو، واستجابة لأهداف الثورة. ثانيهما: واجب الحياد بين المتنافسين على المنصب الرئاسي، وأن يقف المجلس الأعلى على مسافة واحدة من الجميع.

وللحديث بقية حول دور الجيش على خارطة مستقبل مصر، والطُعم الذي وضعه "الإخوان" في دستور 2012 وابتلعه الجيش، كما ابتلعه واضعو دستور 2014، بالرغم من الحكم الانتقالي الذي حصَّن فيه هذا الدستور وزير الدفاع لفترتين رئاسيتين، وهو ما سنتناوله في مقال قادم بإذن الله.

back to top