أجمع اقتصاديون على أن انخفاض تداولات سوق الكويت للأوراق المالية لا يرجع إلى مشاكل في السيولة أو حتى في إجراءات رقابية قامت بها «هيئة السوق» في وقت سابق، بل هناك أسباب متنوعة أخرى، ترجع إلى المتداولين أنفسهم وتأثير عزوف بعضهم عن السوق.

Ad

وقالوا ان البورصة الكويتية قد تكون الوحيدة في العالم التي لم تقم بعلاج الشركات المتعثرة بعد الأزمة المالية العالمية واندلاعها أواخر 2008، وهذا ما ساهم في اختلاط السوق بالشركات الجيدة والمتعثرة.

وأوضحوا أن انخفاض مستويات التداول تشير إلى نظرة المستثمرين السلبية تجاه الأوضاع الحالية، مشيرين إلى ضرورة إنهاء ملف الشركات المتعثرة رسمياً من خلال دمجها، أو تصفيتها أو حتى معالجة أمور من تستحق الوقوف بجانبها، وهذا الأمر واجب على مساهمي هذه الشركات، وعلى وزارة التجارة والصناعة، المطالبة بإجبار من تُكابر من تلك الشركات بالخضوع لمثل هذه العلاجات.

وأشاروا إلى أن الوضع المخزي هو أن هناك ما بين 70-80 شركة مدرجة تنتمي لفئة «العفن» ولا يوجد أي تحرك فعلي ضدها، لا من الجهات الرقابية ولا من مساهميها، فما السر وراء ذلك لاسيما ان السوق يعاني مشاكل أساسية وهذه أهمها، وفيما يلي التفاصيل:

بداية، قال الخبير الاقتصادي، رئيس شركة الشال للاستشارات جاسم السعدون ان السيولة النقدية في البلد كبيرة والدليل هو حجم التداولات في السوق العقاري التي تنمو يوماً بعد يوم، وبالتالي فإن المشكلة التي يعانيها سوق الكويت للأوراق المالية ليست مشكلة سيولة من الأساس.

وأضاف السعدون ان البورصة الكويتية قد تكون الوحيدة في العالم التي لم تقم بعلاج الشركات المتعثرة بعد الأزمة المالية العالمية واندلاعها أواخر 2008، وهذا ما ساهم في اختلاط السوق بالشركات الجيدة والمتعثرة وبالتالي تأثيرها على الرؤية الاستثمارية لمتداولي السوق والذي ظهر من خلال التداولات.

وأشار إلى أن أي مستثمر عندما يفكر في الدخول إلى سوق الأوراق المالية فإنه بطبيعة الحال متفائل بمحاولات إصلاح البلد وإيجاد استقرار سياسي يساعد في انتعاش السوق، موضحاً أنه من الواضح من التداولات هو فقدان أمل المستثمرين بهذه النظرة والاستسلام للواقع الصعب.

وأوضح السعدون ان سوق الأسهم يعتبر من الأسواق الخطرة، نظراً لرغبة الناس بالدخول فيه لكن معرفة بيئة العمل ومدى تناسبها مع البيئة الاستثمارية هو الصعب في هذا الأمر نظراً للظروف الحالية للكويت، مؤكداً أن انخفاض مستويات التداول تشير إلى نظرة المستثمرين السلبية تجاه الأوضاع الحالية.

وأكد أن إجراءات هيئة أسواق المال في فرض العقوبات على العديد من المتداولين والمضاربين كانت إيجابية وصحيحة تماماً، خصوصاً أنها جرّبت «ترك الحبل على الغارب» خلال النصف الأول من العام الماضي ورأت ارتفاعات السوق المبالغ فيها والتي حدثت خلال تلك الفترة، مشيراً إلى أن تداولات تلك الفترة كانت أشبه بالـ»كازينو» وهذا ما أوجب تدخلها والقيام بالجزء المطلوب منها بالإصلاحات.

وأوضح السعدون أن «هيئة السوق» قامت بتسهيل الإجراءات الخاصة بالإدراج في سوق الكويت للأوراق المالية وهذه من القرارات الإيجابية التي تُحسب لها أيضاً، لكن هذه حدود صلاحياتها وإمكانياتها فيما يتعلق بإصلاحات السوق، مشيراً إلى أن «البلد كمشروع تنموي» أمر مشكوك فيه بل وصعب التصديق من قبل المستثمرين والمتداولين، وما يدل على ذلك عزوفهم عن السوق رغم وجود السيولة وبحجم أكبر مما نراه حالياً في مؤشرات السوق.

صرف حكومي

من جهته، قال مستشار مجلس إدارة شركة أرزاق كابيتال صلاح السلطان ان انخفاض السوق نتيجة طبيعية للأوضاع السلبية المستمرة للشركات منذ أكثر من 5 أعوام وهي بداية الأزمة المالية العالمية، مشيراً إلى «أننا يجب ألا نلوم الحكومة أو الجهات الحكومية في هذا الأمر كونها قامت بما هو مطلوب منها في الصرف على المشاريع من جهة، والدور الرقابي من جهة أخرى».

واوضح السلطان أن الأزمة المستمرة منذ 2008 لها جانب إيجابي يتمثل في قيام الحكومة بالصرف على المشاريع التنموية وطرح العديد منها للمناقصات بشكل رسمي بل والبدء بتنفيذ بعضها مثل جسر جابر ومحطة الزور وغيرها، أما الجانب السلبي فقد تمثل في عدم معالجة أوضاع الشركات المتعثرة منذ بداية الأزمة، والبقاء كمتفرجين أمامها.

وقال ان من المفترض أن يتم إنهاء هذا الملف رسمياً من خلال دمج بعض الشركات المتعثرة بعضها مع بعض، أو تصفيتها أو حتى معالجة أمور من تستحق الوقوف بجانبها، مؤكداً أن هذا الأمر هو واجب على مساهمي هذه الشركات، ووزارة التجارة والصناعة، المطالبة بإجبار من تُكابر من تلك الشركات بالخضوع لمثل هذه العلاجات.

واشار السلطان إلى أنه لو كان يمتلك القرار أو قانونا يمنع تداول هذه الشركات المتعثرة لقام بتنفيذه فوراً ودون تأجيل، نظراً لضررها وتأثيرها السلبي الكبير على السوق وتداولاته، مؤكداً أنه لابد من إيجاد حل جذري للوضع الحالي يساعد على تعديل الوضع للافضل، خصوصاً و»أننا مقبلون على شهر رمضان الفضيل والعطلة الصيفية التي من المتوقع أن تنخفض التداولات بشكل أكبر مما هي عليه الآن».

واشاد السلطان بالإجراءات التي قامت بها هيئة أسواق المال ضد بعض المضاربين، مشيراً إلى أنها إجراءات سليمة وقانونية ومن صلب اختصاصات وصلاحيات «الهيئة» ودورها المطلوب منها في مثل هذه الأوضاع.

مشاكل أساسية

أما خبير أسواق المال محمد الثامر، فيرى أن المشكلة الأساسية الموجودة في السوق منذ 2008 وحتى الآن هي «شركات العفن» لكن ما نراه هو أن الجميع يحاول تفادي الحديث عنها ويقوم بتجاوزها وعدم اللجوء لحلول لها.

وأضاف الثامر: «عندما أطلق وزير التجارة والصناعة السابق أحمد الهارون هذا المصطلح، تفاءلنا بوجود تحرك حكومي رسمي من خلال هذا التصريح، والبدء بتنفيذ خطوات تنهي هذه الحالة، لكن (العفن) لايزال موجوداً في السوق بل نرى أن هناك تداولات كبيرة تتم على شركات (عفنة) لا نشاط ولا تشغيل لها».

وأكد أن الوضع المخزي هو أن هناك ما بين 70-80 شركة مدرجة تنتمي إلى فئة «العفن» ولا يوجد أي تحرك فعلي ضدها، لا من الجهات الرقابية ولا من مساهميها، فما السر وراء ذلك؟ متسائلاً من جهة أخرى، إلى متى يتأخر تقييم الشركات المدرجة لدينا وفقاً لأنشطتها التشغيلية وأعمالها التي تقوم بها بشكل فعلي، والاكتفاء فقط بتقييمها بناءً على أسعارها؟

وشدد على أن القرار الرسمي والصادر من الجهات الرقابية الرسمية كلما كان قوياً كلما كان رادعاً أكثر، فمن غير المعقول أن تستمر هذه الأوضاع أكثر من 5 أعوام دون حل.

وأشاد الثامر بقرارات «هيئة السوق» في إيقاف مضاربين في الفترة السابقة، إلا أنه أكد أن التركيز على إيقاف مضاربين من التداول «فقط» هو أمر مرحلي، فالسوق يحتوي على متداولين طويلي الأجل وصناديق ومحافظ استثمارية، أي أن السوق كامل ولا يحتوي على مضاربين فقط، مشيراً إلى أن السوق يعاني مشاكل أساسية وإيقاف المضاربين مشكلة ثانوية وتابعة لا تعني بالضرورة سلامة أوضاع السوق بشكل كامل إذا ما نفذناها لوحدها.

لا تفسيرات

بدوره، استغرب نائب الرئيس التنفيذي لإدارة الأصول في شركة كاب كورب الاستثمارية فوزي الشايع من عدم وجود أسباب منطقية لانخفاضات التداولات في سوق الكويت للأوراق المالية، مشيراً إلى أن الظروف المؤثرة على السوق إيجابية فلماذا هذه الانخفاضات؟

وأضاف الشايع ان تداولات الأسواق الخارجية العالمية والخليجية إيجابية، وإعلانات أرباح الشركات عن 2013 معظمها كانت إيجابية وشهدت نمواً في أرقامها، كما أن الأوضاع السلبية السابقة في البورصة الكويتية اختفت، فمن غير المعقول استمرار التداولات بهذا الشكل طوال هذه الفترة!

وقال ان من الواضح أن من تأثر سلباً من إجراءات هيئة أسواق المال في إيقافها لمضاربين وكذلك إجراءات رقابية أخرى، هم أصحاب «التداولات الوهمية» والمتلاعبين فيها، مشيراً إلى أن إجراءات إيقاف العديد من التداولات على أسهم معينة وإحالة متداولين للنيابة في وقت سابق، أثرت بشكل كبير على أنشطتهم التي كانوا يعتمدون عليها قبل وجود «هيئة السوق»، وبالتالي من المنطقي تعمدهم القيام بأسلوب الضغط على تداولات السوق لخلق صورة وهمية بسلبية هذه الإجراءات وتأثيرها على السوق سلباً!

وأبدى الشايع استغرابه من هذه الأوضاع في ظل وجود صناديق ومحافظ رؤوس أموالها بمئات الملايين تابعة لمجموعات استثمارية عريقة ومرموقة دون أن يكون لها تأثير إيجابي في هذه التداولات، مؤكداً أنه لم يجد تفسيراً أفضل من أن هناك ضغطاً متعمداً على تداولات السوق من المتضررين من إجراءات «هيئة السوق» الرقابية، لكن من غير المنطقي ألا يكون للصناديق والمحافظ الكبيرة تأثير على هذه الضغوطات!