غضِب الإخوان المسلمون كل هذا الغضب تجاه "عملية الكرامة"، التي لجأ إليها "الجيش الوطني الليبي" لوضع حدٍّ للفوضى الإرهابية التي مزَّقت البلاد وألغت الدولة الليبية، وذلك لأنهم، أي "الإخوان"، يريدون أن تبقى ليبيا قاعدة خلفية لاستهداف نظام ثورة 30 يونيو المصرية وإسقاطه لاستعادة حكمهم الذي لم يحافظوا عليه كالأحزاب والحركات الحية المؤهلة للحكم... وهذا يمكن وصفه بأنه مجرد أحلام يقظة مثله مثل "حلْم إبليس بالجنة"!

Ad

تعتبر ثورة الشعب الليبي التي أطاحت معمر القذافي، الذي لم يعد في هذه الدنيا كلها من لايزال معجباً به وبحركاته البهلوانية إلا رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني، من أهم ثورات الربيع العربي التي من الثابت أنَّ الإخوان المسلمين لم يشاركوا ولو بقسط قليل فيها، وحقيقةً، فإنه كان من الممكن أن ينتقل هذا البلد العربي، وعلى مراحل، إلى مستوى الدول الديمقراطية، لو أن عقود حكم صاحب الكتاب الأخضر لم تدمر الحياة السياسية فيه، ولو أن حلف الأطلسي بعد إنجاز مهمته والقيام بما قام به لم يغادر فوراً ويترك ليبيا مستباحة للتنظيمات الإرهابية وللفوضى والعنف وللنزعات الانشطارية والنزاعات القبلية والجهوية.

لقد فشلت خلال الفترة منذ انتصار ثورة "فبراير" كل محاولات استعادة الدولة والكيان الموحد والأمن المستتب، من المؤتمر العام إلى الحكومات المتعاقبة إلى الانتخابات البرلمانية، وأصبح الحكم لـ"الزعران" والمجموعات الإرهابية التي عاثت فساداً في البلاد ونهبت أموال العباد واعتدت على أعراضهم، ولذلك كان لابد من عملية إنقاذية سريعة وعاجلة وحاسمة، فجاءت هذه العملية "الكرامة" التي نفذها الجيش الوطني بقيادة اللواء خليفة حفتر الذي كان في مقدمة ضحايا القذافي، والذي أمضى سنوات طويلة في ديار الغربة... في المنافي البعيدة.

يأخذ البعض على خليفة حفتر أنه بالقيام بـ"عملية الكرامة" التي قام بها قد قلَّد المشير السيسي باستجابته لرغبة الشعب المصري والقيام بالثورة المصرية الثانية في الثلاثين من يونيو عام 2013، وحقيقةً، فإن هذا لا هو عيب ولا هو مثْلبة، فكل ثورات التاريخ كان هناك من ينبري لتصحيح مسارها عندما تواجهها مصاعب، وعندما تبتلى بثورات مضادة، وهذا ما حصل بالنسبة لثورة مصر التي ابتليت بتجربة "الإخوان المسلمين" المريرة والمُعطِّلة، وبالنسبة لثورة ليبيا التي كانت في طريقها لتصبح قنبلة مدمرة لو لمْ تكن هناك "عملية الكرامة" التي حتى تحسم الأمور لا تزال أمامها مسيرة عسيرة وطويلة.

وبالطبع، فإن من حق الذين قاموا بـ"عملية الكرامة" أن يتلقوا دعماً حقيقياً وفعلياً من مصر أولاً ومن الجزائر ثانياً ومن كل الدول العربية المعنية بهذا الأمر ثالثاً، وفي مقدمتها دولة الإمارات المتحدة، فبقاء ليبيا، بموقعها ومكانتها وإمكانياتها، قاعدة للإرهاب وتحولها إلى "تورا بورا" ثانية سيزعزع الأمن في المنطقة كلها وسيمكِّن الإخوان المسلمين، من خلال الدعم العربي المعروف، من مواصلة كل هذا العنف الذي يواجهون به المسيرة المصرية الجديدة التي هي مسيرة واعدة في الشرق الأوسط كله.

إنه ليس مقبولاً ولا جائزاً أنْ تنأى الدول العربية بنفسها عن هذه التطورات المهمة جداً في ليبيا، كما نأت بعض هذه الدول بنفسها عن الأزمة السورية، فالواقع العربي واحد وموحد، ومثله مثل وضع السوائل في الأواني المستطرقة، ولهذا فإنه لابد أن تكون هناك مساندة وبالأفعال لا بمجرد التصريحات والأقوال لـ"عملية الكرامة" وللذين قاموا بها، وذلك لأن بقاء هذه الدولة تحت سيطرة الفصائل الإرهابية المتفاهمة مع الإخوان المسلمين سيبقى يعرض مصر، بتجربتها الواعدة الجديدة، للمزيد من العنف والإرهاب... وهذا ينطبق على الجزائر وحتى على المملكة المغربية، وأيضاً كل دول المشرق العربي.