لفت وزير الثقافة المصري إلى استعادة البهاء التشكيلي المتمثل باستئناف أنشطة وفعاليات فنية وثقافية، وتمثيل الأجيال المبدعة في معارض مختلفة، والتواصل مع الحركة التشكيلية في عالمنا العربي.

Ad

بدوره اعتبر د. صلاح المليجي أن الفنان حمدي عبد الله، أحد الوجوه التشكيلية المتفردة، ويشكّل معرضه «شفرة بصرية 2} انطلاقة تعبيرية مغايرة، واستكمالا لطموحاته الإبداعية في معرضه {شفرة بصرية1}.

اعتمد عبد الله في لوحاته على عنصر الخط، وانسيابه على السطح بتلقائية، وتكثيف الأشكال الرمزية الموحية بالدهشة، وإثارة الجدل حول ماهية الفن التشكيلي، وقدرة الفنان على التعبير عن ذاته، وتفاعلها مع معطيات واقع متجدد.

يضم المعرض 90 عملاً فنياً جديداً نابعاً بتلقائية مباشرة، وملامسة سن القلم الأسود سطح الورقة البيضاء، ليحدث ذلك الاشتباك البصري المرمز، والتأثير الوجداني في المتلقي.

تنوع استخدام الفنان للرمز، فبدت الطاقة التعبيرية مشحونة بدلالات ورؤى، وتعطي انطباعات موحية عن رؤيته الشعورية، واتساقها مع مسارات الخطوط، وتشكيلها التلقائي لما يعتمل في الذات المبدعة من رغبة في تغيير العالم إلى الأفضل.

استلهم الفنان الأشكال التراثية، والرسومات المنقوشة على جدران المعابد الفرعونية، ليعمق الصلة بين منجز الأسلاف، وإبداعه المشروط بطاقة التجاوز ومعطيات الزمن، ودلالة الامتداد التاريخي للتعبير بالرمز، وتأثيراته البصرية والوجدانية.

أسطورة وفراغ

يصف التشكيلي د. أحمد نوار أعمال الفنان حمدي عبد الله بأنها أحلام تتحقق في واقع مرئي عميق الفكرة وبليغ التعبير، وإذا كانت تدور في حركة فلكية إنسانية، فالترابط والتجانس في لوحاته يتحققان ضمن سياق مرجعي، لأصول محكمة في صناعة الفن.

يوضح نوار أن أعمال عبد الله تتميز برؤيته الأسطورية لعالم خيالي، فالطيور والحيوانات والإنسان تتشكل ممزوجة ببعضها البعض، ويتحول الإنسان إلى طائر والطائر إلى إنسان في مشاهد متكررة البناء الأفقي والرأسي.

تذكرنا لوحاته بالبناء الجمالي والتشكيلي لفنوننا المصرية القديمة على أوراق البردي وعلى جدران المعابد المحفورة والبارزة في سمفونيات بليغة البناء والتناغم والتجانس.

ترتكز لوحات عبد الله على بناء نسيج ممتد للكائنات، واضعاً الضوء الخافت في المركز والقلب، من دون مبالغة في التباين، محققاً تكاملاً بين الفراغ والشكل كما في فن النحت ثلاثي الأبعاد.

في لوحاته تتنوع التيمات الرمزية وثيقة الصلة بخصوصية بيئته، وفتنته بالخط الأسود، وتلقائية التعبير بعناصر مثل السمكة والنخيل وملامح الوجوه التي تشي بالغموض والترقب، واعتمال ذات الفنان في جدلها مع الواقع.

تتسم رؤية الفنان بالتعبير عن حالة انتظار، وتشتبك مصائر الكائنات على السطح الأبيض، وتتطلع العيون إلى أفق غير مرئي، وتميل الخيوط إلى فكرة التجاذب والملامح المتشابهة، والبحث عن أمل مفقود.

في إحدى لوحاته يمتد الحبل السري، ليعبر عن رمزية المصير المشترك بين الجموع وطائر حبيس دائرة بيضاوية، والكائنات مضمومة الشفاه ومقيدة الحركة، ودلالة رفض الفنان للسكون، وانشغاله بصراع النفس البشرية بين البوح والصمت.  

تعد لوحات {شفرة بصرية 2} رحلة داخل الذات البشرية، وبحثاً دائماً ومتجدداً للتواصل بين ذلك المخزون البصري، وما يتمتع به الفنان من تلقائية وتعبيرية في تجسيده أفكاره الفلسفية، وسحر الغموض الأسطوري لكائنات من خطوط سوداء.  

يتسم المعرض بطرح مفاهيم إنسانية شديدة الثراء، وتناغم الرموز في طاقة التعبير عن المخزون الغرائبي في كل لوحة، ومحاولة استجلاء المعاني الكامنة في ذات الفنان، وولعه بالغموض، وكمون المعنى في حوار داخلي متعدد الرؤى والأشكال التعبيرية.

تتابع اللوحات في رسائلها الوجدانية والبصرية، وقدرة الفنان على إنجاز شروط التشكيل المتفرد، وحث الرائي على التأمل، واستخلاص معانٍ وثيقة الصلة بوعيه، وإدراكه لماهية {شفرة بصرية}.

مسيرة تشكيلية

نال الفنان حمدي عبد الله دكتوراه فلسفة في التربية الفنية (1978)، وعمل أستاذاً في كليات فنية، وله إسهامات بارزة في الحركة التشكيلية العربية على مدى نصف قرن.

نال جوائز محلية ودولية، منها: جائزة {بينالي القاهرة الدولي السادس} (1996)، جائزة {لجنة التحكيم في بينالي الإسكندرية} (1997)، {ميدالية الملتقى الثالث للفنون التشكيلية} (1998).  

أقام معارض فردية محلية ودولية، من أبرز عناوينها: {الرمز والواقع}، {قصاصات مرئية}، {طقوس الإشارات}، {أساطير معاصرة}... تميزت أعماله بالرمزية، والمزج بين التراث والمعاصرة.

أنشأ أول متحف للفنون التشكيلية التراثية والمعاصرة في كلية التربية الفنية المصرية، ويضم أعمال رواد الفن بين 1930 و2000، وأقام أول مشروع لتبادل زيارات الفنانين في الوطن العربي (2000).  

أثرى حمدي عبد الله المكتبة التشكيلية العربية، بأبحاث وكتب، منها: {مبادئ الفن}، {على هامش النقد التشكيلي}، {التربية الفنية بين الماضي والمستقبل}، وشارك في مؤتمرات وفعاليات فنية محلية وعالمية.