"طفارة" الحكومة كانت ما يسمى بالقوانين الشعبوية، أي ما يتعلق بالمزايا المالية للمواطنين، كزيادة الرواتب وإقرار الكوادر الوظيفية وإسقاط فوائد القروض ورفع علاوة الأولاد، وغير ذلك من القوانين ذات الكلفة على المال العام، ولجأت الحكومة إلى التلويح بالسياسات العنترية إذا ما تمادى المجلس في الاقتراحات التي تدغدغ الأصوات الانتخابية، بل لجأت مرتين على الأقل إلى حل مجلس الأمة بسبب قانون إسقاط فوائد القروض مرة وزيادة الخمسين ديناراً على جميع الرواتب مرة ثانية.

Ad

هذا الموقف الحكومي المتشدّد كان في زمن الخير والبركة والفوائض المالية وأيام المجالس كاملة الدسم، ولم يكن ينقذها في تعطيل هذه القوانين سوى أصوات الكلتة الليبرالية بالإضافة إلى النواب الموالين لها على طول الخط.

المشهد البرلماني اختلف جذرياً، فعلى الرغم من وداعة المجلس الذي أخجل الحكومة في العديد من المواقف بالكرم الحاتمي وخاصة في الاستجوابات وتطفيش العدد البسيط جداً من النواب المشاكسين من الحياة النيابية، وعلى الرغم من الإعلان الرسمي لحافة الإفلاس، تنهال الاقتراحات الشعبوية من جديد، والمفاجأة أن بعض هذه الاقتراحات يمر بسهولة مثل التأمين الصحي للمتقاعدين بينما زيادة علاوة الأولاد بمبلغ الـ15 ديناراً لا يمر، ومثله مكافأة نهاية الخدمة، والمفاجأة الأخرى أن "عرّابي" هذه الاقتراحات هم من المعارضين لها سابقاً خصوصاً من أصحاب التوجهات الليبرالية، فهل يتم ذلك عن تناقض في الرأي أو تبدّل في الموقف؟ أم هناك سر تكتيكي؟

السيناريو التكتيكي له ما يبرّره بقوة في الواقع، فإذا لاحظنا طبيعة بعض الاقتراحات بقوانين نجد أنها مفصلة على مقاس القطاع الخاص ولمصالح التجار دون أن يشكل ذلك أي رافد حقيقي لإيرادات الدولة أو يخلق نموذجاً لتنويع مصادر الدخل، فقانون الـ"BOT" وتعديلاته، وكذلك إعادة صياغة قانون الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام كلها تصب لفائدة القطاع الخاص بإيجارات رمزية، ودون ضرائب ولا تعيين للكويتيين، وكذلك قانون التأمين الصحي للمتقاعدين وإن كان يمثل طموح عدد كبير من المواطنين في سن تشهد مختلف أنواع المرض، إلا أن استمرار الخدمة الصحية الحكومية وميزانيتها الضخمة وبأداء لا يلبي ثقة الناس سوف يعيق توفير أي مبالغ في الخزينة العامة للدولة، وتبقى الفائدة للمستشفيات الخاصة وشركات التأمين.

أثناء طرح هذه القوانين ومناقشتها يرمى باقتراحات أخرى كزيادة العلاوة الاجتماعية للأولاد أو نهاية الخدمة، ولكن بمجرد إقرار القوانين "الهامورية" يتم تأجيل الاقتراحات الشعبية إلى أجل غير مسمى بحجة مزيد من الدراسة!

وهكذا تنطلي هذه التكتيكات على النواب إما نتيجة نقص الخبرة والسطحية في الأداء، أو بدراية منهم وتوزيع أدوار معهم، وهذا الأقرب، الأمر الذي يؤكد حكومية مجلسنا الموقر صاحب شعار الأفعال لا الأقوال!