فيض من المشاعر

نشر في 26-08-2014
آخر تحديث 26-08-2014 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي مر اليوم الثاني من أغسطس ومرت أربعة وعشرون عاما على ذلك العمل الجبان الغادر، ولن أصف ذلك اليوم بالمشؤوم أو الأسود، فهو يوم من أيام الله، ولكن من قام بذلك العمل هو من يتصف وجهه بالسواد في الدنيا والآخرة ومأواه جهنم وبئس المصير، مر ذلك اليوم وانتاب الكويت وأهلها فيض من المشاعر لعل أروعها مشاعر الفخر والاعتزاز بذلك الموقف الذي يندر حدوثه بالتلاحم بين القيادة والشعب، فتصدى لتلك الجيوش الجرارة التي شعرت بهزيمة النفوس منذ اليوم الأول للغزو.

في ذكرى ذلك الحدث يمر على الخاطر بعض الذكريات، فقد كنت وقتها أتولى مسؤولية رئاسة البعثة الدبلوماسية في الجزائر الشقيقة، في صبيحة ذلك اليوم قمت بالاتصال هاتفيا بوزير الخارجية السيد أحمد الغزالي، وكان في المطار للقيام بجولة في بعض دول أميركا الجنوبية، وبناء على الأحداث ألغى سفره، واتفقنا على اللقاء في مكتبه بعد ساعة من ذلك الوقت، بادرني معاليه بالسؤال عن سمو الأمير وسمو ولي العهد، وعند إبلاغي له بمغادرتهم إلى المملكة العربية السعودية بحفظ الله، قال بلهجة الواثق "وهذه أول نقطة انتصار للكويت".

استفسرت منه عن إمكانية قيام الجزائر بإصدار بيان تنديد بالغزو، وقيام فخامة الرئيس الشاذلي بن جديد بالاتصال بسمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح "طيب الله ثراه" وذلك للاطمئنان على سلامته، وقد تم إصدار بيان التنديد كما قام فخامة الرئيس بالاتصال بسمو الأمير.

في أثناء فترة الغزو والاحتلال الغاشم استقبلنا الوفد الشعبي برئاسة العم الفاضل أحمد السعدون وعضوية كل من السفير عبدالعزيز الصرعاوي رحمه الله، والدكتور إسماعيل الشطي والدكتور ناصر الصانع والأخ الفاضل سعد السعد والشيخ الفاضل أحمد القطان، وقد صادف وجود الوفد ذكرى "يوم القدس" فتلقينا الدعوة لحضور ذلك المهرجان الذي عقد في ملعب "5 جوليه"، حيث غصت المدرجات بالآلاف من الحضور.

 افتتح المهرجان بكلمة للدكتور عباس مدني رئيس جبهة الإنقاذ الإسلامية، تحدث فيها عن القضية الفلسطينية متجاوزاً الأحداث في الخليج والغزو العراقي للكويت، بعد ذلك ألقى الشيخ أسعد بيوض التميمي أمين عام منظمة الجهاد الإسلامي-بيت المقدس كلمة عنيفة، وشن هجوما لاذعاً على الكويت وأهلها واصفا إياها بالقرية الفاسقة مستشهداً بالآية الكريمة "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" وهذا ما حدث للكويت حسب ادعائه، ولم تتضمن كلمته أي إشارة للقضية الفلسطينية أو القدس الشريف، بل صبّ حقده وسموم غدره على الكويت وأهلها.

بعد ذلك تحدث الشيخ أحمد القطان بكلمة رائعة عن القضية الفلسطينية والقدس الشريف ثالث الحرمين وأولى القبلتين ومسرى نبي الأمة وملتقى أنبياء الله ورسله، مؤكداً أنه من شدة عشقه وتعلقه بهذه المدينة المقدسة أطلق على المنبر الذي يخطب من خلاله "منبر القدس"، وقال "الآن وبعد أن احتلت بلادي ومنعت من الصعود إلى منبري للدفاع عن القدس الشريف، جئت إليكم أنتم أحفاد طارق بن زياد، أنتم يا جند الإسلام يا من قام بنشر الإسلام في أوروبا، جئت أطلب عونكم وفزعتكم لاستعادة منبري"، بعد هذا الكلام الذي أثار العواطف ارتجت المدرجات بالتكبير والهتاف باسم الكويت حرة، وما إن انتهى الشيخ أحمد القطان من كلمته حتى اندفعت الجموع نحوه وكادت ترفع "سيارته" عن الأرض.

في مساء اليوم التالي أقمنا ندوة صحافية شارك فيها الدكتور إسماعيل الشطي والعم الفاضل أحمد السعدون الذي أكد خلال كلمته أن ارتباط شعب الكويت بقيادته ونظامه ارتباط عهد وميثاق عقد منذ أكثر من ثلاثة قرون ولا يزال وسيستمر.

من ناحية أخرى فإن مدينة الجزائر العاصمة تشتهر بمساجدها الفخمة الرائعة، ومنها مسجد النور الذي غطيت جدرانه أثناء فترة الاحتلال العراقي بصور الطاغية صدام حسين، وبعد بدء معركة تحرير الكويت وانهزام الجيوش العراقية تم انتزاع تلك الصور، وفرشت على مداخل المسجد، وأمضى الوفد الشعبي خمسة أيام كانت حافلة بالنشاط والفعاليات التي استطاع بها اختراق ساحة كانت حكرا على الإعلام العراقي السابق وتحرك نظامه... بالتأكيد نحن لا نريد أن ننكأ جراح الماضي ولكن ذلك لا يعني أنه يجب أن ننسى، فما حدث شيء فظيع لا يمكن تخيله حتى الآن.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top