وصلت الأخبار السارة من الرياض بإنهاء الأزمة الخليجية المشؤومة، وسعد أهل الخليج لأن قطر لا يمكن أن تترك مهما حصل، فهي جزء لا يتجزأ من الجسد الخليجي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال نكران ذلك أو تجاهله، غير أن الملاحظ أن السفراء لم يعودوا، وبدا أن كل ما حدث من تصريحات لفظية لم يتجسد واقعاً!

Ad

طالعتنا بشائر التصريحات لكننا لم نر سفيراً عاد، واضح أن الجماعة اتفقوا اتفاقاً سرياً يحمل بنوداً معينة، لن أقول إملاءات معينة، وكانت تصريحات القرضاوي في محبة دول الخليج "مكشوفة"، وواضح أنها تتم من خلال "إجراءات" معينة قد تكون مرتبطة بالاتفاق، وعُلم من بعض التسريبات، التي تشمل كل الاحتمالات، أن من ضمن البنود إبعاد ونفي قيادات "الإخوان المسلمين" المقيمين في الدوحة إلى بلدانهم، لكن الدوحة كما سمعت أيضا أبعدتهم أو ستبعدهم إلى ليبيا!

سأبتسم مع القارئ إن قلت إن قطر، كما في تسريبات أيضاً، قدمت أوراقها في لندن لتأسيس قناة تلفزيونية توأم لـ"الجزيرة"! على أن ينقل طاقم "الجزيرة" ليعمل فيها... و"كأنك يابو زيد ماغزيت"!

هذا ما تم تسريبه، والمؤكد أن مثل هذه الاتفاقات الحساسة تبقى سرية ويحظر التصريح عنها لاعتبارات مفهومة، ونقل أيضاً أن السفراء لن يعودوا قبل شهرين أو بعد التنفيذ القطري الفعلي للاتفاق.

أتذكر أن مسؤولا رفيع المستوى في السعودية قال عندما سئل عن الأمل بالمصالحة مع قطر ما معناه "أنه لا يوجد زعل حتى يتم التصالح، لكن توجد شروط محددة غير قابلة للنقاش إن لم تنفذ فلن يعود السفراء"، واضح أن الضغط هذه المرة جاد، وأن على قطر التعامل بجدية مع أخواتها دول مجلس التعاون.

لن أبرئ قطر، فعليها ما عليها لكني أيضاً لا يمكن تأييد ما حدث من سحب للسفراء، فمهما يكن الوضع فالعلاقة الأخوية والعائلية لها محلها من الإعراب ولها تقديرها في مثل هذه الأمور، فإيران وعلى الرغم مما فعلته وتفعله و"على عينك يا تاجر"، لم تتخذ دول الخليج أي إجراءات معها رغم الإثباتات والوقائع التي لا تقبل الظن! وهنا يحق لنا التساؤل: لماذا هذا التعسف ضد الدوحة؟ هل ضاقت الصدور لهذه الدرجة؟

رحم الله "عمرو بن الأهتم" حينما قال:

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها

ولكن أخلاق الرجال تضيق

 

الهدوء وسعة الصدر وطول البال والنظرة البعيدة الموضوعية مطلوبة في مثل هذه الحالات، فهذه علاقات دول تتشابك معها مصالح متفرقة عدة حتى من خارج دول مجلس التعاون.

قطر مخطئة... نعم، وأبصم بالعشرة، لكن هل غيرها بريء؟ قطر ارتكبت أخطاء كبيرة لكن غيرها لم يخل من الشوائب! لن ندخل في تفاصيل معروفة ولن ندافع عن قطر، فمحبة دول مجلس التعاون متساوية والشكوك زائلة.

يقول الشاعر القطري الرزين بريك بن هادي في أحد أبيات قصيدة متفردة:

كان الخطا من صوبنا سامحونا

وكان الخطا منكم سمحنا إخطاكم

على السنين الماضية رجعونا

لو ما توافق مع هوانا هواكم

الشاعر بريك بن هادي كان أكثر دبلوماسية من كثير من الدبلوماسيين الذين تعاملوا مع هذه الأزمة المشؤومة، في بيتين من الشعر العامي وضعا قاعدة دبلوماسية سياسية قد لا يتقنها كثير من الساسة ومدعي الدبلوماسية، فالشعر لا يزال ديوان العرب، وقصيدة شعرية قد تختصر عشرات الكلمات التي قد تلقى على مسامع من يتثاءب أثناء إلقائها!

تبقى نقطة الضوء الساطعة هي تحركات الشيخ صباح الأحمد أميرنا، حفظه الله ورعاه، وجهوده المشكورة لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين الأشقاء، حيث كانت تحركاته محل تقدير وثناء من أهل الخليج، وكانت مسافته واحدة معهم حفظه الله. وأتمنى أن يواصل عمله فهو ربما الوحيد بعد الله المؤهل لحل هذه الأزمة المشؤومة نتيجة لحب الجميع له وثقتهم بحكمته وأتذكر المتنبي حينما قال:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم.