«باب الحديد»... غرام شوقي وهند على «فيسبوك»
مجموعة تقارير تلفزيونية تبثها برامج المنوعات عبر فضائيات اليوم، تصبّ كلها في صالح التعاطف مع بائع جرائد مريض نفسياً يحب فتاة وعندما تحاول الزواج بآخر يحاول قتلها ولكنه يخطئ ويقتل فتاة أخرى، وتتلقى أستوديوهات قنوات {دريم، المحور، السي بي سي} مكالمات هاتفية تؤيد وأخرى تدين القصة في مجملها وتطالب بإعدام قناوي... وغيرها من أحداث في نظرة معاصرة إلى أحداث فيلم {باب الحديد}.
يصل صدى قضية قناوي إلى صفحات إلكترونية مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دشن النشطاء صفحتي {كارهو هنومة وأبو سريع} و«معاً للإفراج عن قناوي}، وانتشرت التدوينات المتعاطفة بكثافة على الشبكة العنكبوتية، وتوالت صور لشاهين وتقارير طبية تبرر فعلته على {انستغرام}، الأمر الذي أسهم في نشر قصة {هنومة وقناوي} في عالمنا الحاضر وليس خمسينيات القرن الماضي.{باب الحديد} الذي كتب له السيناريو والحوار عبد الحي أديب، أخرجه يوسف شاهين، وتولى بطولته كل من يوسف شاهين، فريد شوقي، هند رستم، حسن البارودي، يعتبر إحدى علامات السينما المصرية. تدور أحداثه حول {قناوي}، بائع جرائد غير متزن عقلياً وعاشق متيم بـ}هنومة} التي تشفق عليه ولكنها تنوي الزواج بآخر، وعندما تبدأ في الاستعداد للزواج، يقرر قتلها ولكنه يقتل فتاة أخرى عن طريق الخطأ ويحاول إلصاق التهمة بخطيب هنومة (فريد شوقي). وفي النهاية يتم الإبلاغ عن قناوي كمريض نفسي ويتم الإيقاع به عن طريق حسن البارودي الذي كان يتعاطف معه ويعامله كأب.
يعتبر النقاد أن الفيلم «درس» في الأداء البسيط ليوسف شاهين والإخراج المتميز في موقع تصوير صعب، فقد وصل شاهين إلى مرحلة فنية متقدمة فيه، جعلته أهم شخصية سينمائية في مصر آنذاك، إذ كان الفيلم متقدماً على كثير من السائد والمتداول في السينما المصرية في تلك الفترة، الأمر الذي يفسر فشله التجاري وإحجام الجمهور عنه.تعليقات ودردشة لو توافرت الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، لدخل كل من هنومة وقناوي وأبو سريع في دردشة جماعية على «فيسبوك»، وسادت حالة من المكاشفة بعد تبادلهم تعليقات رومنسية على صفحات بعضهم البعض، ولعلم كل طرف منهم حقيقة ميوله نحو الآخر مثلما يحدث بين الأصدقاء في غرف الدردشة الجماعية أو على صفحات الفيسبوك، ولكانت الصدمة أخف على قناوي واختصر كثيراً من الأحداث.وجود «واتس آب» و»فايبر»، كان ليكون ذا أثر سلبي على قصة الفيلم، من خلال اعترافات قناوي لأحد أصدقائه بأنه قتل فتاة بالخطأ، وهو ما كان سيسهل تتبع خط الحديث عبر تطبيقات إلكترونية ولما أبلغت إحدى أقرب الشخصيات إليه أجهزة الأمن عنه.برع شاهين في تصوير جزء من الحياة اليومية، بقدر ما برع في تجسيد شخصية الفقير المريض «قناوي»، وقد كان «باب الحديد» مفاجأة حقاً، ليس لصدقه المتناهي ومضمونه المتميز فحسب، وإنما أيضاً لأسلوبه الجديد ولغته السينمائية المتقدمة وجمالياته الخاصة، ولا شك في أن شاهين سجل فيه خطوة متقدمة في مرحلة نمو الوعي الاجتماعي. بل يعتبر تجسيده شخصية قناوي أحد أفضل الأدوار في السينما المصرية.تدور الأحداث خلال يوم واحد, من الصباح إلى المساء في محطة مصر للسكك الحديد أو باب الحديد، كما كان يطلق عليها في زمن الأبيض والأسود, بكل ما يحمله موقع تصوير ضخم كهذا.في الفيلم خط درامي آخر مواز لفتاة وحبيبها تنتهي برحيل الفتى عنها، في إشارة إلى تشابه النهايتين، وهو عدم تلاقي الأحبة وفشل القصتين. وينتهي الفيلم بصورة الفتاة الدامعة وفي الخلف أبو سريع يحمل هنومة بعد إنقاذه لها من يد قناوي وصورة قطار ينطلق مسرعاً خارج المحطة، وهي القصة التي كانت لتحتمل تفاصيل حداثية كثيرة من خلال «وسائل التواصل» العصرية المتوافرة في زماننا.شخصية المعاق أداها يوسف شاهين بصورة أكثر من رائعة حيث تقمص ببراعة دور المعاق الذي يعاني عرجاً في قدمه اليمنى، حتى في بعض مشاهد الركض والتي من الممكن أن تتغير طريقة مشي الممثل فيها من دون قصد، نلاحظ محافظة شاهين على أن تميل الكتف إلى أسفل في توقيت استقرار القدم على الأرض من دون تكلف وبثبات تقريباً طوال مشاهد قناوي وهو يسير. كذلك كان أداء شاهين الصوتي ممتازاً، يظهر اضطراب الروح ومحاولات يائسة للحاق بهنومة، وهو الجسر الذي رأى فيه انتماءه إلى دنيا الأسوياء، وبعد محاولة قتل {حلاوتهم}، إحدى زميلات {هنومة}، نلحظ اختلاف الأداء الصوتي لقناوي على نحو أكثر من رائع: كلمات غير مكتملة, مبتورة , بتناغم مختلف ووقفات صمت في العبارات تشعرك بمدى الصراع النفسي في الشخصية ومن دون أن تشعر للحظة بأدنى ملل أو رتابة. حتى في ضحكاته القليلة، نرصد ثلاث ضحكات مختلفة الأداء, كل منها مقياس لحالة شعورية مختلفة عن غيرها.وجاء اختيار فريد شوقي مناسباً للدور نظراً إلى شكله الموحي بالقوة والعنفوان، وهو ما أراد صانعو الفيلم التأكيد عليه بمشاهد تبرز قوته وعافيته, كإنقاذ زميل له وقعت عليه حمولته فيحملها عنه بيسر. وفي صراعه مع رابطة أبو جابر في نهاية الفيلم، أبرز التضاد الواضح بين شخصية قناوي النحيفة الزائغة النظرات والمتذبذبة الصوت وبين شخصية أبو سريع، استحالة بلوغ المأمول وعبور جسر هنومة.