أربع ملاحظات لكاتب شاب

نشر في 17-12-2013
آخر تحديث 17-12-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي الملاحظة الأهم في معرض الكويت للكتاب الـ"38"، الذي انعقد في الفترة 20 - 30 نوفمبر الماضي، هي وجود وإقبال أعداد كبيرة من الشباب، بحماس ظاهر، وتشوف مشروع للسير في دروب الأدب، وتحديداً كتابة القصة القصيرة والرواية!

لا جدل في إيجابية ومباركة الظاهرة، لكن تأملها والنظر إلى تفاصيلها يفرض علينا التوقف عند نقاط بعينها. وسيتطرق هذا المقال إلى أربع ملاحظات هي:

أولاً: يبدو مثيراً للشفقة نصيحة كاتب بضرورة إتقانه لأصول وقواعد اللغة العربية، بأساسياتها كشرط لعملية الكتابة! فلقد قابلت بعض الشباب، من الجنسين، بقناعة أن لهم الحق في كتابة ما يشاؤون بأي تراكيب لغوية، وأن المصحح اللغوي، لدى الناشر، سيقوم بمراجعة وتصحيح اللغة، وبالتالي فليس مهماً بالنسبة للكاتب إشغال نفسه بمعرفة قواعد اللغة العربية السليمة. وقولاً واحداً: منْ لم يكن له علاقة باللغة، تعلّماً ووصلاً وعشقاً، فلن تكون له علاقة بالكتابة. الكتابة نتاج اللغة، واللغة وعاء الفكر، فكيف بوعاء فارغ أو مشوّش أن يأتي بشيء مبدع!

ثانياً: الكتابة باللهجة المحلية تعني عزلاً للكاتب ومادته القصصية والروائية عن محيطه العربي الكبير، وبقائه حبيس شريحة قراء مجتمعه الصغير. فبعد سقوط كل مقومات مشروع "القومية العربية"، بإقامة وطن عربي واحد من المحيط إلى الخليج، لم يبق للإنسان العربي من مشترك مع أخيه العربي إلا اللغة، ووحدها اللغة العربية هي البساط الذي سيطير بأي كاتب عربي لقراء العربية أينما كانوا، وقد ينتقل به إلى العالمية. وقولاً واحداً: اللهجة العامية لم تكن لغة كتابة في أي مكان وزمان، وهذا لا يقلل أبداً من العامية كلهجة محكية شفاهية حميمة ورائعة، لكن شرط الكتابة الإبداعية الأول هو الكتابة باللغة الأم.

ثالثاً: الكتابة الواقعية... إن كتابة قصة أو رواية في الكويت اليوم، ليست بالأمر البدعة، فهناك إرث عالمي وعربي من القصة والرواية، التي بقيت عبر التاريخ حاضرة في ذاكرة الشعوب، وخلّدت أسماء كتّابها، وما يجمع هذا الأرث هو صلته بواقعه المحلي. والكتابة الواقعية لا يُراد لها أن تكون نقلاً حرفياً وصورة طبق الأصل عن الواقع، بل أن تكون أحداث الواقع ومكانه جذراً للكتابة الإبداعية. فالكاتب المبدع قادر على معايشة التجربة ومن ثم اختزانها وتفاعل فكره معها، وتالياً فرزها بقناعته ورؤاه بعد إضافة شيء من روحه. وهذا ما يجعل الكتابة استلهاما للعام بشكل خاص، وكتابة الخاص ليكون عاماً. هذا المقال لا ينادي بضرورة الكتابة وفق مدرسة الواقعية ولا شيء غيرها، لكنه يشير إلى أن وجود جذر واقعي محلي في الكتابة عنصر مهم لإنجاح أي عمل قصصي أو روائي، وأن الأعمال العظيمة عبر التاريخ هي تلك التي حملت ملامح مجتمعاتها وخلّدت فترات وحوادث تاريخية بعينها، وكانت التوثيق الفني المبدع والأجمل.

رابعاً: إن التماهي مع موجة كتابة ما بات يُعرف بأدب الرعب، هو كتابة تغريبية بائسة خارجة عن مألوف الحياة الإنسانية الطبيعية. فأي رعب يساوي رعب الواقع الذي يعيشه العالم اليوم؟! فتوقف عابر أمام أي محطة أخبار يظهر رعباً وغرائبية يعجز أي قلم عن تسطيرهما. كما أن أخذ الشباب إلى معايشة أحداث خيالية مريضة وكاذبة تستحضر الجن والوساوس، في زمن يمثل الإنسان الجني الأكبر فيه، يُعدّ مهزلة وتغريبا للشباب عن حياة الواقع وواقع الحياة. مع التنويه بأهمية كتابة رواية "الخيال العلمي" التي باتت اليوم تحتل مكانة مرموقة على خارطة الأدب العالمي، فكتابة الخيال العلمي تستلزم الإلمام ودراسة أصول هذا الفن المبدع، الذي ساهم مساهمة كبيرة في إطلاق الشرارة الأولى للكثير من مكتشفات العالم الأهم.

back to top