أحياء ولو تم دفنهم!!

نشر في 01-02-2014
آخر تحديث 01-02-2014 | 00:01
 عبدالهادي شلا يبدو أن الأمة العربية مشغوفة بكل ما هو "خيالي" أو تعتقده لأنه البديل الموازي لحالة الإحباط والفوضى التي تعيشها هذه الأيام ومع قدوم "الثورات" التي وصفت بأكثر من صفة.

يبدو أن الفطرة الشرقية التي تعتمد في تاريخها على "الخزعبلات" في كثير من الموروثات الشعبية قد أصبحت تحتل مكان الصدارة فيما يشاع من أخبار، وما تتناقله وسائل الإعلام الرسمية منها والوسائل الأخرى الكثيرة "المشكوك" في مصداقيتها.

فقد شاع خبر أن اللواء عمر سليمان "نائب الرئيس مبارك قبل تنازله عن الرئاسة" حي يرزق، وأن الروايات التي تم تناقلها حول خبر وفاته في أميركا أو أنه قتل في سورية هي أخبار للتمويه ولحمايته من أعدائه "الإخوان المسلمين على وجه الخصوص"، هذا ما تناقلته الأخبار، وأن الجثة التي تم دفنها ليست له بل هي "وهمية" وسيظهر الرجل في وقت ما حين يكون الظرف مناسباً!!

مثل هذه الافتراضات يصنعها واقع تكثر فيه الشائعات، فتجد لها مرتعا خصبا وسط حالة الفوضى والرغبة في تصديق كل شيء حتى لو لم يكن معقولا أو يتقبله العقل، إلا أن الضغوط الكثيرة والكبيرة تجعل الفرد متعلقا بـ"قشة"، فيصدق مثل هذه الروايات، أي أن الأمر لا يزيد على كونه ملء فراغ نفسي هو في حاجة له لا يتنازل عنه مادام يمنحه فسحة التحليق بعيدا عن واقعه المؤلم والمخيف!

في ظرف مشابه وقريب مما تمر به الأمة العربية الآن ووسط الشائعات التي فرضها الظرف في ذاك الوقت وكان بعد نكسة 1967 ظهرت شائعة تبعها ضجيج إعلامي أضفى عليها ما جعل الناس يصدقونها ويقسمون بأغلظ الأيمان أنها حقيقة، وكنت شاهدا بشخصي على أنها لم تكن أكثر من إشاعة ذات غرض محدد!

وبينما الشعب المصري والعربي يضمد جراح الهزيمة ويتناولها بالتحليل والدراسة للخروج من إرهاصاتها وبعد تنحي الرئيس جمال عبدالناصر الذي أصاب الأمة كلها بالصدمة تضاعفت المصيبة، وحالة الذهول المريع مع تخليه عن مسؤولياته كرئيس وعودته لصفوف الشعب، ترددت إشاعة عن ظهور "السيدة العذراء" في إحدى كنائس القاهرة وفي منطقة "حلمية الزيتون" بالتخصيص.

وقد شهدت هذه "التمثيلية" التي تم إتقان إخراجها وسيناريوهاتها والشعب في حالته التي ذكرتها، حيث كنت أدرس في القاهرة وبيتي لا يبعد أكثر من مئتي متر عن الكنيسة المذكورة الأمر الذي أثار اهتمامي للذهاب لرؤية "السيدة العذراء" التي قالوا إنها تظهر ليلا، فراعني المشهد ذلك أن آلافا من البشر قد تجمعوا حول الكنيسة وتحول المكان "المهجور" من حولها إلى سوق وباعة متجولين وتأجير كراس للجلوس، والذي يعرف القاهرة يستطيع تصور المشهد حين يكون هناك احتفال أو مناسبة جماهيرية، وكأن الناس قد حضروا لمشاهدة مباراة بين الأهلي والزمالك!

وقفت مع الواقفين ننتظر وطال الانتظار لأنه لا وقت لظهورها! وفجأة سمعنا صوتا يلفت انتباه الجموع الغفيرة إلى ظهور السيدة العذراء في قبة الكنيسة، فنظرت ونظر الآلاف الموجودون معي إلى حيث أشار!

ما شاهدته هو ضوء خافت وكأنه شمعة ضعيفة الإضاءة يتم تحريكها تحت القبة ليظهر من بين النوافذ الضيقة للقبة خيال لشخص يمشي!! عندها هلل ونادى كل "المصدقين" للتمثيلية!!

هذا باختصار شديد ما تم ترويجه من إشاعة انشغل بها الناس أياما ثم طواها النسيان! فهل يُعقل في زماننا هذا ومع كل هذا التقدم والتقنيات العالية التي من المفترض أنها تغلغلت في العقول أن يتم غسلها بمثل هذه الخزعبلات واستغلال المشاعر الدينية للناس على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم؟!

هل سيصدق شباب الثورة "والفيسبوك" أن عمر سليمان مازال حياً؟! إذا صدقوا هذا الخبر فهذا يعني أن صدام حسين مازال حياً، ومعمر القذافي مازال حياً!! لأن الخبر نفسه قد تردد وتمت إشاعته بينما مازلت الحالة العربية في مخاضها العسير وسط ضبابية لا يمكن لأحد أن يتبصر مستقبلها القريب.

* كاتب فلسطيني - كندا

back to top