الذين يحتفلون بانهيار سنة من أعمارهم ضاعت دون أن يتحقق فيها شيء هم الحمقى. والظاهرة الأكثر حماقة وترصد لها محطاتنا العربية كل سنة أهبل ومشعوذة يقرآن علينا بثقة مفرطة من ذهن مشغول بلا شيء ما سيحل بنا من مصائب وأحداث قادمة في العام الجديد. مر عامنا الفائت وما يهمنا منه هو أن نحصي أرباحنا وخسائرنا، ونتعلم من تاريخنا القصير كما لم نتعلم من تاريخنا الطويل المليء بالنزاعات والحروب والمسكون بالوحشة. ما نفعله بنا وما نسمح للآخرين بأن يفعلوه بنا هو الذي يحتاج إلى أن نقف عليه، نناقشه ونحاسبه بحثاً عن قليل من الوعي والعودة إلى الوعي.

Ad

عام جديد تستمر فيه خسائرنا السياسية، وتكاد تنهار بلداننا كأحجار الدومينو تحت وطأة العبث الطائفي والعداء التاريخي للآخر. حروب طائفية وصراع على الكراسي، مجانين يحصدون أرواح أبرياء، وأبرياء لا يعلمون من أي جهة يأتي صوت الانفجار القادم. حيوات تتعطل وبناء يتوقف والجميع ينتظر هل سيبقي حيا كي يكون شاهدا على هذه النهاية.  

عام جديد والصقيع يأكل أجساد الأوطان العربية التي تحولت إلى مخيمات كبرى، ترتفع فيها كلفة كل شيء ويرخص فيها الإنسان. لا كرامة للأمهات ولا شفاعة للأطفال الذين سيكبرون بذات الفكر الانتقامي الذي أوصلهم إلى ما هم فيه، وكأننا نخوض في بحيرة لا تنتهي من الوحل. ما حصدناه في عامنا الفائت هو ما زرعناه أعواما في حقول الجهل، وما سنحصده في عامنا الجديد لن يكون أكثر بهجة مما كان.

في عامنا الجديد نحتاج إلى الكثير كي نستحق الحياة. لا أوراق كافية لسطر كل ما نحتاج، ولا عملاً في الأفق ينبئ بأننا نعمل عليه. ما أصعب أن نعيد البشري للبشري، وما أصعب أن نرمم إنسان الجمهوريات الدكتاتورية التي أنشأت سجونها ومعتقلاتها وأجهزة مخابراتها وخصصت مدارسها لتمجيد هذه "المؤسسات" العظيمة.

ما تبقى لنا من فرح، وهو فرح خاص نعيشه دون تجاهل لما يحدث لإخوتنا في العروبة والإنسانية والدم واللغة والدين والتاريخ، هو فرحنا بنمو حياتنا الثقافية وازدهارها في الكويت. وهو فرح مستحق كان جهد سنوات طويلة من العمل حمله جيل سبقنا من التنويريين والأدباء والأساتذة لا ننسى فضلهم في غمرة فرحتنا بذواتنا وأعمالنا. ما أسعدنا في العام الماضي هو فوز ابننا وزميلنا سعود السنعوسي بجائزة البوكر التي أعطت دفعة لشبابنا للإصرار على العمل الجيد. وما أسعدنا أيضا فوز الزملاء باسمة العنزي وسعداء الدعاس وبدر محارب بجوائز الدولة عن أعمالهم. ويسعدنا أكثر استمرار الروائيين الجميلين إسماعيل فهد إسماعيل وليلى العثمان في الإنتاج الأدبي بعزم وهمة شابة.

في العام الجديد نتمنى استمرار ملتقياتنا الثقافية التي تطل على واجهة العمل الثقافي في الكويت، كملتقى الزميل طالب الرفاعي وملتقى الثلاثاء وملتقى ضفاف الجديد، الذي نتمنى أن يكون رافداً مهماً للسرد العربي وليس الكويتي فقط.

على الثقافة، والثقافة وحدها، نعول ونعلق كل أحلامنا لبناء إنساننا بعيداً عن الظلام. وكل عام وهذا الوطن الجميل بخير.