فجر يوم جديد: فيلا 69 الساحرة!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
نجحت آيتن أمين، والسيناريو، في رسم شخصية «حسين»، الذي ينطبق عليه القول الشائع «كم من قسوة تحمل في باطنها رحمة»، وحالفها التوفيق في حشد كثير من التفاصيل المدهشة، والعناصر الفنية الجمالية التي جعلت من الفيلم قطعة فنية أخاذة تفيض بالمشاعر المرهفة، والأحاسيس العذبة التي تبث لدى المتابع شحنة من الشجن النبيل، والتعاطف الإنساني مع رجل يحتضر؛ فأوراق الشجر اليابسة التي تملأ الأرض توحي بالعمر الذي يذبل كأوراق الخريف. أما تداخل الأعشاب الجافة مع تلك التي تنمو حديثاً فيحمل دلالة على تجدد واستمرار الحياة، بينما يوحي الأثاث القديم، والراديو العتيق، والحقائب المتهالكة، والفرن المستهلك، والنوافذ التقليدية، واللوحات الكلاسيكية، وألوان الجدران المتهالكة القاحلة (ديكور شهيرة ناصف) بانتماء البطل إلى طبقة غابرة. وجاء اختيار أغنية «كان أجمل يوم» لمحمد عبد الوهاب، بتنويعاتها الموسيقية المتعددة (سمير نبيل) في السياق الذي يؤكد معنى الفيلم ورؤيته، فيما تُعمق الستارة المواربة أمام النافذة نصف المفتوحة شعور البطل بالعزلة، وتعكس توتر علاقته والعالم الخارجي الذي يتعامل معه من خلف ستار، بينما لعب التصوير والإضاءة (إدارة حسام شاهين) دوراً كبيراً في تكثيف المعنى الدرامي، سواء من خلال زيادة حدة الإضاءة لتصل إلى درجة السطوع «الميتافيزيقي»، أو توظيف اللونين البني والأزرق لتحقيق أثر نفسي؛ إذ من المعروف أن اللون الأزرق يبعث في النفس شعوراً بالبرودة والنقاء والاسترخاء والثقة والاكتئاب أيضاً، بينما يُجسِّد اللون البني الشعور بالانطواء والحساسية المفرطة والتحفظ والانكفاء على الذات والميل إلى التخطيط وحب الحياة المنظمة والانسحاب بعيداً عن العالم الواقعي... وكلها صفات انطبقت فعلاً على البطل «حسين» الذي جسده خالد أبو النجا بمصداقية رائعة وبراعة فائقة، ربما لأنه عاش الشخصية بكل أحاسيسه وجوانحه، والأمر نفسه ينطبق على الوجوه الجديدة التي أثرت الفيلم بمشاعر طازجة، وأحاسيس تلقائية صادقة.فيلم «فيلا 69» أحد الأعمال الفنية القليلة التي تجعل المشاهد مشاركاً فاعلا بمشاعره وانفعالاته، مع ما يراه متجسداً على الشاشة، وليس متلقياً سلبياً كما جرت العادة، وذلك بفضل رهافة حس مخرجته الشابة، وقدرتها الكبيرة على الاحتفاظ بالتفاصيل التي يحتاج إليها العمل (مونتاج عماد ماهر) والحوار الرشيق الذي لا يخلو من سخرية محببة... ولأنها حدثتنا عن الموت بتفاؤل.