مفهوم الشعر في التراث العربي... النشأة والتطور

نشر في 19-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 19-12-2013 | 00:01
No Image Caption
عن سلسلة {الفائزون} في {الهيئة المصرية لقصور الثقافة}، صدرت أخيراً دراسة وافية حول {مفهوم الشعر في التراث العربي} للباحث أحمد حلمي عبدالحليم، وتناول فيها نشأة ديوان العرب وتطوره حتى القرن الخامس الهجري، ودور النقد في الكشف عن معانٍ وسياقات الإبداع في مراحله التاريخية.
توضح دراسة {مفهوم الشعر في التراث العربي} أن إرهاصات الشعر العربي لم تكن مقيدة بوزن، ولا ملتزمة بقافية، وظل مرتبطاً لدى الشعراء بالانفعالات المتدفقة والعاطفة الجياشة، حتى أواخر العصر الجاهلي، وأن مفهوم الشعر لدى النقاد القدامى اقتصر على الوزن والقافية، ويعد الجاحظ أول من جعلهما حداً للشعر، بإشارته إلى أن العرب اعتمدوا في تخليد مآثرهم على الشعر الموزون والكلام المقفى.

ولا ينم هذا التعريف عن جهل الجاحظ وغيره من نقاد بالمعنى الشعري، وما يحويه من صورة وخيال، بل لأن الوزن والقافية كانا أهم ما يفصل بين الشعر وغيره من أجناس أدبية.

منظور أخلاقي

لم يقتصر مفهوم الشعر على ما ذكره النقاد في مؤلفاتهم، بل شارك فيه الشعراء بما صاغوه من أبيات حول مفهومهم لهذا الفن، مثل قول عنترة العبسي} هل غادر الشعراء من متردم، أم هل عرفت الدار بعد توهم؟

وتسوق الدراسة شرح الزوزني للبيت، بقوله لم يترك الشعراء شيئاً يصاغ فيه شعر إلا وقد صاغوه، واجتهاد الشاعر في البحث عن أفكار جديدة لقصائده، واستحداث أقاويل جديدة تثير إعجاب المتلقي.

وبلغ عشق العرب للشعر، أن صار مضرباً للمثل في الانتشار، وقالوا: {أسير من شعر} أي كاشف للخبايا، و}سائر في البلاد بغير زاد}، وفي قول الحصري القرواني في أثره: {وقد بنى الشعر لقوم بيوتاً شريفة وهدم لآخرين أبنية منيفة}.

ربط النقاد بين الشعر وتقويمه من منظور أخلاقي، وأخذوا على بعض الشعراء تجاوزاتهم مثل إمرئ القيس، وابتعادهم عن مقتضيات الذوق العام، وبهذا المقياس اشترطوا التزام الشاعر بمعايير وقيم مجتمعه.  وتراوح الإبداع الشعري بين المدح والهجاء، وصور الملامح الإيجابية لشخصية البطل المثال في الثقافة العربية، وكشف الملامح السلبية التي يجب أن يخالفها الباحث عند الارتقاء.

طقوس غريبة

 

تناولت الدراسة الطقوس الغريبة لبعض الشعراء في وقت الإبداع، وتفضيلهم للعزلة {الخلوة} أو يهيمون بمفردهم في الصحاري، لاستلهام الشعر، مثل جرير وسلوكياته الشبيهة بمن سلبت عقولهم.

اقترنت لحظات الإبداع بالتوتر، وحاجة الشاعر إلى التعبير عن انفعالاته، ورأى أن العزلة أو الخروج إلى الطبيعة، تعينه على قول الشعر، مثل قول زهير للنابغة: {اخرج بنا إلى البرية، فإن الشعر بري}.

وتطرقت الدراسة إلى أن قول الشعر يتعارض مع الشراب والغضب، ويتناغم في إبداعه مع الفن والصنعة، ويتطلب قدراً من الاتزان والحكمة، بما ينفي أسطورة أن الشعراء القدامى كانوا ينظمون قصائدهم في هذيانهم، بل في أقصى درجات اليقظة.  

الإسلام والشعر

تناولت الدراسة أثر الإسلام في توجيه الناس إلى الاهتمام بالجوانب الأخلاقية والدينية في الشعر، وشجعت الشعراء على قول قصائد تحض على المكارم، ورفض الهجاء المبتذل، وتوجيههم إلى أطر قيمية.

وفي صدر الإسلام زاد على الشعر مبدأ الصدق والأخلاق، إلى جانب حسن المعاني والتراكيب، وارتكز في عصر اللامركزية على الإطراب، وكان البديع اللفظي والمعنى معياراً للإجادة.

وتخلص الدراسة إلى أن سعي النقاد إلى إيجاد مصطلحات نقدية، يعكس اهتمامهم الواسع بالشعر والشعراء، وهذا ليس غريباً على التراث النقدي القديم، فالشعر عند العرب: {ديوان عملهم ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون}.

back to top