إن الاستمرار في بث الكبسولات التثقيفية-التعليمية، على بساطتها وخفة روحها، إن هو استمر، ولن أشطح كثيراً لأقول سيقدم بديلاً عن الكتاب والقراءة المنهجية الجادة، بل سأقول سيقدم، على الأقل، كثيراً من الفوائد التثقيفية لمستخدمي هذه الشبكات ممن لا يمكن بحال من الأحوال سحبهم قهراً منها لمطالعة الكتب بالطريقة التقليدية.
لا يكاد اليوم يُفتح الحوار عن القراءة والثقافة والكتب، إلا ويجد طريقه سريعاً إلى الحديث عن "الإنترنت" باعتبارها قد صارت تمثل للبعض، وهو بعض كبير جداً، بديلاً عن الكتاب، من باب سرعة الحصول على المعلومة وجاذبية عرضها فيها، والحقيقة أنني على الرغم من عشقي المعروف للكتب وإدماني لرائحة الورق المشبع بأحبار الطباعة، لست ممن يرفضون فكرة التعلم أو التثقف بأي وسيلة كانت، ولا مشكلة عندي أن تكون هذه الوسيلة ما تكون، حتى لو كانت كبسولة طبية يبتلعها الشخص ليصبح مثقفاً! لكن سيبقى المحك دوماً بالنسبة إلي هو مقدار العلم أو الثقافة التي سيتحصل عليها الطالب من هذه الوسائل البديلة للكتاب.نعم، أعلن أن تجاربي ومتابعاتي أثبتت مرة تلو مرة ألا وسيلة تعدل الكتاب لإيصال العلم إلى طالبه أو الثقافة إلى الباحث عنها، ولا حتى تقترب من ضفافه، لكنني، ومرة أخرى أكررها، ما كنت لأمارس الرفض العنيد لأي من الوسائل الأخرى، وبالأخص الإنترنت ووسائطها التي ظهرت اليوم لتنافس الكتاب، لإدراكي أنها ستكون معركة خاسرة في مواجهة هذا الخصم المندفع بلا هوادة.لهذا، ومع استمراري في نشاطي الدائم ودعواتي المستمرة إلى إحياء عادة القراءة التقليدية، والعمل على إنشاء مجموعات القراءة ونوادي الكتاب وتشجيع قيامها، فإنني أتجه اليوم كذلك إلى الدعوة، بل المساهمة، في جعل الإنترنت وبالأخص شبكاتها الاجتماعية، كـ"الفيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام" ومثيلاتها، مصدراً من مصادر التثقيف وربما التعليم.فكرتي تقوم على الآتي: كثيرون هم المتعلمون والمثقفون والمفكرون والأدباء والفنانون، وغيرهم ممن لديهم شيء من علم وثقافة وخبرات يقدمونها، ممن يرتادون هذه الشبكات ويتفاعلون مع مرتاديها، لذا ومع وجود الملايين من مستخدمي هذه الشبكات الاجتماعية، فإنني أراها فرصة تاريخية، إن هي أحسن استغلالها، لنشر الثقافة والوعي والفكر، إلى حد ما، في أوساطهم.من الممكن، نظرياً وعملياً، لكل واحد من القادرين أن ينثر على خيوط هذه الشبكات من علمه وثقافته وفكره وأدبه وفنه وخبراته، مستخدماً لذلك اللغة "الإنترنتية" غير المتكلفة، والتراسل السلس، والوسائط المتعددة المتاحة من صوت وصورة وفيديو.إن الاستمرار في بث هذه الكبسولات التثقيفية-التعليمية، على بساطتها وخفة روحها، إن هو استمر، ولن أشطح كثيراً لأقول سيقدم بديلاً عن الكتاب والقراءة المنهجية الجادة، بل سأقول سيقدم، على الأقل، كثيراً من الفوائد التثقيفية لمستخدمي هذه الشبكات ممن لا يمكن بحال من الأحوال سحبهم قهراً منها لمطالعة الكتب بالطريقة التقليدية، بالإضافة إلى أنه قد يؤدي في وقت ما إلى إغراء بعضهم بالبحث عن المزيد والأكثر عمقا من هذه المواد الثقافية وذلك بالعودة إلى القراءة المنهجية من خلال قراءة الكتب.وأنا حريص على القيام بهذا النشاط شخصياً، فمن خلال وجودي على الشبكات، أحرص دائما على تقديم المواد التثقيفية المحفزة للتفكير، والدافعة نحو التعلم وتشكيل الوعي، محاولة مني لتحويل تلك الدقائق التي قد يقضيها قارئي ومتابعي في صفحاتي، إلى شيء أكثر من مجرد وقت فراغ قام بإضاعته في السياحة في شبكة الإنترنت.كل واحد من الداخلين إلى هذه العوالم الإلكترونية الرحبة، مهما كان بسيطاً في حصيلته الثقافية أو العلمية، لقادر في تصوري على المساهمة في إدارة هذه العجلة ولو بمقدار واحد من البليون، ولعلنا مع تكثيف الجهود واستمرار محاولة دفع العجلة إلى الأمام، كل وفق طاقته وبقدر مساهمته، سنتمكن في لحظة استثنائية من الزمن من نشر الثقافة بقدر مقنع عبر هذه الوسائل حقا!
مقالات
كبسولات ثقافية سهلة البلع!
24-06-2014