قد يكون مبرر غياب الفنانة الأميرة غير {النمطية} عن الانترنت، أنها رحلت قبل ابتكاره ورواجه، ولم يحدث أن جرى احتفال بها بشكل يعيد الألق إليها، لكن الآن مع بيع لوحتها {تحطيم الذرة وحياة النبات} في مزاد كريستيز للأعمال الفنية الشرق أوسطية الحديثة والمعاصرة الذي أقيم في دبي قبل أيام، باتت كأنها تعيد شبابها.
والقضية ليست انترنتية أو ميدائية فحسب، فقد حققت لوحة الفنانة الراحلة مليونين و731 ألف دولار أميركي، مسجلة بذلك ثاني أعلى رقم عالمي لفنان من منطقة الشرق الأوسط، بعد لوحة {الجدار} للفنان الإيراني برويز تنافولي، وقد بيعت في مزاد كريستيز بدبي (2008 ) مقابل مليونين و800 ألف دولار أميركي.وتؤكد الأرقام التي حصدتها أهم عشرة أعمال عُرضت في مزاد كريستيز، في مقدّمها لوحة الأميرة فخر النساء زيد، أن أعمال الرسامين والنحاتين الشرق أوسطيين شكلت محطّ أنظار كبار المقتنين حول العالم.يُشار إلى أن لوحة {تحطيم الذرة وحياة النبات} أنجزتها فخر النساء زيد عام 1962 في أوج إبداعاتها، وتُعَدُّ هذه اللوحة الفريدة أحد أهم أعمالها على الإطلاق. خبرات واسعةولدت فخر النساء زيد في اسطنبول عام 1901، وهي شخصية كوزموبوليتية تجمع بين السياسة والتاريخ والفن، وقد مكنتها هذه الظروف المؤاتية من دراسة الفنون الجميلة (الرسم) في دار الفنون في اسطنبول، وكانت ترسم في تلك الفترة بروتريهات لشخصيات منها لوحة {جدتي}.لم تتوقف طموحاتها عند حد، لذا سافرت إلى عاصمة الفن والذوق الرفيع باريس، حيث التحقت بأكاديمية رنسون (Ranson) للفنون (1927)، وتعرفت إلى الفنان المعروف بسيير، وكان لهذا الفنان دور في الكشف عن مواهب هذه الفنانة الشرقية، فساعدها في مسيرتها الأولى، وعرفها إلى فنانين ونقاد عالميين، ما وفر لها خبرات واسعة ظهرت في نتاجها الفني في ما بعد.شكل عام 1934، نقطة تحوّل في حياة فخر النساء، فقد تزوجت الأمير الهاشمي زيد بن حسين، الذي كان يشغل منصب سفير العراق في أنقرة في عهد الملكية، فأتاح لها الاطلاع المباشر والتواصل مع فناني العالم الغربي، وكانت هذه تجارب غنية أسهمت في تميز منجزها الفني، وبناء شخصيتها الفنية الواعية. هكذا تنقلت بين باريس وبرلين ولندن، محاولة المواءمة بين ممارسة الفن، والأعباء الدبلوماسية الملقاة على عاتقها وزوجها.لم يكن الفن لديها مجرد هواية، بل أسلوب حياة أوقفت عليه جلّ عمرها المديد، فأقامت أول معرض شخصي لها في اسطنبول عام 1944، وأسست شخصيتها المتفردة التي جذبت النقاد في المشرق والمغرب، بعد ذلك توالت المعارض السنوية في العواصم الغربية والعربية ومدن أميركية، فحققت، بعملها ودأبها المستمر، مكانة مرموقة في الفن، وسعت أهم المتاحف العالمية إلى اقتناء لوحات لها.عام 1958 خرج الأمير زيد من الحياة السياسية، واستقرّ مع فخر النساء في باريس، فحوّلت مرسمها الخاص إلى صالون أدبي يلتقي فيه الشعراء والكتاب والفنانون. كان منزلها تحفة فنية، من خلال تمازج الأشكال واللوحات مع الزخارف الشرقية ومساقط الضوء، على حد وصف الفنان والناقد جاك لاسينيه، الذي أعجب بفنها.تأثرت فخر النساء بالتيارات الرئيسية في باريس حيث تلقت دروسها، لا سيما {إيكول دو باري} أو مدرسة باريس، إضافة إلى المدارس السريالية والتكعيبية.عام 1975 استقرت في عمان وأنشأت {معهد فخر النساء الملكي للفنون الجميلة}، فكان انطلاقاً لتأسيس {الجمعية الملكية للفنون الجميلة} ـ المتحف الوطني الأردني . في أعمالها، عموماً، تأثرت الفنانة الأردنية التركية بجمالية الحروف العربية والصوفية والثقافتين البيزنطية والغربية، واستعانت بتوليفة بارعة من الألوان والخطوط المتآلفة حيث يتسلَّل الأرجواني إلى البنفسجي، فيما يُرى صدى الأخضر والأحمر والأزرق في الأسود.
توابل
«تحطيم الذرة وحياة النبات» لفخر النساء زيد فخر الفن الشرقي
04-11-2013