الغائب الكبير
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
هل هناك صحيح سلطة قضائية مستقلة لا تتأثر بالحاكم السياسي للبلاد، كما تنطق معظم دساتير دول الشرق الأوسط العربية؟ الإجابة بالنفي، فتلك السلطة عادة يتم استتباعها للحكومة أو السلطة التنفيذية (لاحظوا أن كلمة حكومة في الولايات المتحدة تعني السلطات الثلاث)، وينقل عن نيثان براون مؤلف كتاب دساتير من ورق أن القضاة لا يملكون سلطة اعمال حكم القانون، فهم تابعون بحكم الواقع للجهاز التنفيذي بالدولة يأتمرون بأوامر الحكام أو أصحاب السلطة من النافذين، وعندها يصبح الحياد المفترض في تطبيق حكم القانون غائباً تماماً عن عوالمنا المستبدة.يكرر الكثيرون عبارة رئيس الوزراء البريطاني وبطل الحرب الثانية تشرشل، حين شكا إليه البعض رداءة الوضع في بريطانيا، فكان رده، كما ينسبون إليه، "انه ما دام القضاء والتعليم بخير فليس هناك ما يخشى منه على بريطانيا". لا يمكن أن نتصور أن يكون رد تشرشل بغير ذلك، فقد كان يدير أعرق بلد بالحكم الديمقراطي، ولولا هذا "التراث" الديمقراطي المتجذر في بريطانيا، الذي يعني أول ما يعني مساءلة الحكام، لما تصورنا أن يكون القضاء البريطاني بخير، فاستقلال القضاء وسلطانه ينبعان من قوة التقاليد الديمقراطية في أي بلد.في دول الاستبداد المتخلفة، لا يمكن الحديث عن استقلال القضاء، مهما تم حشو الدساتير بنصوص مستوردة من بيئات ديمقراطية، فتراث دولنا يطلق كلمة "الحاكم" على كل صاحب سلطان دون تفرقة بين الحاكم السياسي والحاكم القضائي، والواقع المعيش يختلف تماماً عن النصوص الورقية، فالحاكم في تراثنا هو من يحكم في السياسة وفي القضاء معاً. ففيه "الخصام وهو الخصم والحكم"، فأي عدالة نتحدث عنها؟ وأي حكم قانون نتشدق به؟!