لقاء عتب وتخوين بين قادة العراق والمالكي بعد رفضه كشف أسباب «الانهيار الأمني»
«قبول اجتماعي» بسقوط الدولة في المحافظات الساخنة
قال مصدر شيعي رفيع في بغداد، إن اجتماع رئيس الحكومة نوري المالكي مع أبرز قادة البلاد ليل الأربعاء- الخميس، بعد أن سقطت الموصل وبات المسلحون على تخوم العاصمة، عكس التوتر السياسي الرهيب في العراق، وامتلأ بلهجة العتب المتبادل والتخوين، والشكوك بما تطلبه الحكومة من البرلمان الذي انتهت ولايته الشرعية عملياً.وأوضح المصدر لـ"الجريدة" أن الاجتماع الذي هدف إلى توحيد الصف لمواجهة أسوأ انهيار أمني تشهده البلاد، انتهى بانعدام الثقة التي يتطلبها إعلان موقف موحد، وهو ما بدا واضحاً حين عجز الحاضرون عن تنظيم مؤتمر صحافي، كما جرت العادة، بعد ختام محادثاتهم.
وذكر المصدر الذي طلب عدم كشف هويته، أن القادة طلبوا من المالكي وضعهم في صورة الوقائع الميدانية المنهارة، لكن رئيس الحكومة رفض أن يقدم لهم أي توضيح، متذرعاً بأن المعلومات "في غاية السرية والحساسية، وأنه غير مخول لكشفها حتى لزعماء الكتل البرلمانية".الموقف هذا حسب المصدر، جعل رئيس البرلمان أسامة النجيفي، وزعيم المجلس الأعلى عمار الحكيم، يقولان للمالكي إن تحفظه يكشف حجم الارتياب والشكوك في أعلى هرم الدولة، ما يدفع إلى التساؤل حول كيفية إعلان موقف موحد حيال هذه النكسة، في ظل أزمة ثقة من هذا العيار.وفي ظل هذا الجو المتأزم، ووجه طلب المالكي إعلان الطوارئ في البلاد برفض شديد، وهو ما جرت ترجمته بعجز البرلمان أمس عن إكمال نصابه للنظر في الطلب. وتنشغل الطبقة السياسية هذه اللحظة بمحاولة استيعاب أخطر ما جرى فجر الثلاثاء الماضي في الموصل، التي سيطر عليها تنظيم "داعش" وتمدد على تخوم بغداد، وليس "الأخطر" ما يتعلق بالانهيار المتواصل في قطعات الجيش فحسب، بل بكون ما حصل هو نوع من "القبول" الذي لم تتضح تفاصيله بعد، بالتمرد المسلح.ويقول نائب سني في البرلمان الجديد لـ"الجريدة" شرط عدم ذكر اسمه، إن تنظيم "داعش" مرفوض في الوسط الاجتماعي للمحافظات السنية، غير أن ما حصل بدأ "يلاقي قبولاً"، وهو يرسم "حدوداً أولية" لإقليم أو دويلة، ربما على غرار إقليم كردستان، ويشجع كثيرين على رفض الخضوع لحكم بغداد من الآن فصاعداً.تنظيم "داعش" الذي ظلت صورته المتشددة تثير نفور الجميع، بدا حذراً جداً في التعامل مع السكان، في الموصل، وهو يقول لهم إنه جاء لتحرير مدن السُّنة من "سياسات القمع" التي مارستها الحكومة، الأمر الذي يعتقد النائب السني أنه وجد صدى لدى الجمهور، وأنه سيجعل من الصعب على بغداد أن تستعيد السيطرة على المناطق التي انسحب منها الجيش، والتي بدأ بعض ممثليها السياسيين يتحدثون عن أن ما جرى هو "انتفاضة سنية، ليست داعش سوى جزئها الظاهر".وليس هذا الحديث بعيداً عن التحذيرات التي سمعها المالكي مراراً، بشأن سياساته التي ستدفع القوى الاجتماعية السنية إلى التعاون مع المتمردين ضد الدولة، وهي تحذيرات تجاهلها ويقول له شركاؤه إن العراق يدفع ثمنها هذه اللحظة.وعلى هذا الأساس، تعرب أهم الأطراف العراقية عن اعتقادها أنه من الصعب استعادة الموصل وباقي المدن بمجرد عمل عسكري كبير قد يجري التحضير له، وتدعو الحكومة إلى إعلان إصلاحات فورية، وتسويات، وضمانات، والتعهد بتغيير سياسي، والحوار مع كل مراكز القوى في المحافظات الساخنة، لاستعادة إيمان هذا الجمهور بالنظام السياسي. وتحذر هذه الأطراف من أن مواصلة المالكي رفض هذه الخطوات، ستعني "موتاً عملياً" لفكرة العراق، وأن على بغداد حينئذ أن تستعد لرؤية "دويلة سنية" يلف الغموض تفاصيلها هذه اللحظة، وتظل تنطوي على خطورة إقليمية ودولية، لأنها قد تعيد تعريف العراق بنحو أقسى، كمسرح للصراع المذهبي الدامي، وهو كلفة سياسية لا أحد مستعد لدفعها، في خضم حرائق الشرق الأوسط.