ستكون هذه الأيام فاصلة في تاريخ مصر، فالتصويت على مشروع الدستور الجديد سيؤسس لانتقالة نوعية ستضع هذا البلد، الذي يستند إلى أولى وأهم الحضارات في العالم، على منصة القرن الواحد والعشرين والألفية الثالثة، وستخلصه نهائياً من محاولة السطو السياسي التي قام بها الذين سرقوا انتفاضة يناير 2011، وبذلوا جهوداً مضنية لحرفها عن مسارها الصحيح، بمساعدة خارجية متعددة الأطراف ومعروفة، كادت تحقق النجاح الذي تريده لولا يقظة الشعب المصري واستنجاده بقواته المسلحة الباسلة.

Ad

كان الإخوان المسلمون في العام الذي حكموا فيه، وشاركهم مستشارون وموجهون من الخارج كثر، قد رتبوا أمورهم وبدأوا يهيئون أنفسهم لحكم الحزب الواحد الأوحد، وإلى الأبد، والمشكلة هنا أنهم، لو لم تقطع الطريق عليهم حركة يونيو، التي قامت بها القوات المسلحة استجابة لمناشدات أكثر من ثلاثين مليون مصري، لمارسوا استبداداً مغلفاً بغلاف ديني يشبه استبداد الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى بمعظم الدول الأوروبية.

لقد ثبت أن محمد مرسي كان مجرد واجهة لقيادة حزبية أكثر استبدادية من قيادات الأحزاب الشيوعية، التي حكمت في الاتحاد السوفياتي وفي دول أوروبا الشرقية، إضافة إلى الصين وكوريا الشمالية وكوبا وبعض دول أميركا اللاتينية، وأن القرار الفعلي لم يكن لا في يد الرئيس (المعزول) ولا في يد حكومته، وإنما في يد المرشد العام محمد بديع وخيرت الشاطر، وأيضاً في يد الشيخ يوسف القرضاوي، الذي اعتبر نفسه، في تلك المرحلة المظلمة العابرة، المرجعية الأولى لكل ما في مصر، مثله مثل الخميني سابقاً، ومثل علي خامنئي في إيران حالياً.

كان هؤلاء يخططون وهم قد اتخذوا القرار، وكانوا على وشك البدء في التنفيذ، لإزاحة معظم السفراء والسيطرة على السلك الدبلوماسي المصري من وزير الخارجية حتى أصغر ملحق في إحدى الدول الإفريقية المغمورة، وكان هؤلاء قد حسموا أمرهم، وبدأوا عملية العد العكسي لإزاحة كل رموز القيادة العليا للقوات المسلحة، وكل رموز الأجهزة الأمنية، المخابرات والاستخبارات العسكرية تحديداً، وكل هذا وقد أماطت اللثام معلومات لاحقة عن أن خيرت الشاطر قد كُلف بإنشاء ميليشيات إخوانية مسلحة، تبدأ بخمسين ألفاً، من هذا الحزب حزب الإخوان المسلمين ومن باقي تيارات وتشكيلات الإسلام السياسي، تكون بديلاً للجيش المصري على المدى البعيد.

وهكذا فإن الإخوان المسلمين لم يكتفوا بـ"سرقة" ثورة يناير، كما أكد حلفاؤهم الأميركيون بعد طول تردد، بل باشروا وفوراً عملية انقلابية شاملة لتحويل مصر كلها بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية وأيضاً الاقتصادية والأمنية والعسكرية إلى دولة حكم الحزب الواحد، التي لو سارت الأمور كما خطط وأراد هؤلاء لخضع هذا البلد، وربما لعهود طويلة، لاستبداد ديني لا مثيل له، ودكتاتورية أسوأ من الدكتاتورية الهتلرية والستالينية.

ولهذا فإن المصريين، وهم يتوجهون اليوم، وكانوا قد توجهوا أمس إلى صناديق الاقتراع للتصويت على دستورهم الجديد، قد بدوا وكأنهم يتنفسون الصعداء، وكأنهم قد أفلتوا من بين أنياب غولٍ مفترس، فهذا التحول الهام والتاريخي، وإن هو قد يواجه بعض الإخفاقات، والذي سيواجه بالتأكيد عمليات إعاقة كثيرة، لكنه في النهاية سيسلك الطريق الصحيح التي ستأخذ مصر إلى ما بقي يحلم به شعبها: "من عهد مينا إلى عهد عمرو إلى عهد جمال إلى عهد السادات إلى عهد مبارك، وأيضاً إلى عهد مرسي والإخوان"، أي إلى النظام الديمقراطي التعددي، وإلى التداول على السلطة، وإلى أن يصبح هذا البلد لكل أبنائه بدون تمييز بين مسلم وقبطي.