قبل عام تقريبا، لم تكن هناك قناعة حقيقية عند أغلبية الكويتيين لفكرة الرئيس الشعبي، ورغم أن هناك آلافاً قد خرجوا إلى الشوارع مطالبين بأمور إصلاحية من ضمنها الرئيس الشعبي، فإن معظمهم لم يكن- في داخله- مقتنعا بالرئيس الشعبي على وجه الخصوص، كان ذلك يتضح لي جليا كلما ناقشت أحدهم بالمطالب التي ينادي بها فأجد ترددا في هذه المسألة، ومرونة في التجاوز عنها وعدم الإصرار عليها، خصوصا عند ذكري لبعض السلبيات المحتمل حدوثها بوجود رئيس شعبي، كالمجاملات القبلية والطائفية والطبقية على حساب المصلحة العامة، مما يجعل "صباحية" رئاسة الوزراء رغم كل شيء هي الأفضل في الوقت الراهن، وكان الطرف "البرتقالي" غالبا ما يوافقني الرأي في آخر الأمر، وإن كان على مضض!

Ad

اليوم، ليس البرتقاليون وحدهم، وإنما عدد كبير ممن ينتمون للفريق الأزرق، ولعلي أحدهم، يرى أن المسار بدأ يتجه وبقوة نحو تقبل فكرة الرئيس الشعبي، على اعتبار أنه لم يعد هناك أي أمل في الحكومات التي يترأسها السادة الشيوخ، فهي أبعد ما تكون عن تحقيق طموحات المواطنين، والفرصة منحت لهم مرارا وتكرارا من أجل إحداث التغيير الإيجابي في النهج والأسلوب، والتشكيلة الأخيرة التي أعادت وجوهاً وزارية من عهود سابقة لم تحرز أي نجاح سابق جعلت كل من كان لديه ذرة أمل يتراجع عنها، ويقول لنفسه: وماذا إن أعطينا الفرصة لغيرهم؟! ما الذي سنخسره أكثر؟! ثم من قال إن الحكومات الأخيرة لم تكرس القبلية والطائفية والطبقية؟! وما الذي سيكون أسوأ مما نحن فيه؟! نحن الآن في القاع أيها السادة!

والحق أن أحداً من المتحولين في مواقفهم لا يلام، وقد حذرنا من قبل أن حكومة الشيخ جابر المبارك، عند بداية توليه للرئاسة، ستكون الفرصة الأخيرة لأسرة الحكم لتثبت أن المعارضة على خطأ في مطالباتها بالرئاسة الشعبية، فإذا بحكوماته المتتالية عبر أدائها السلحفائي الذي يكلف الخزينة العامة مليارات الدنانير دون ذرة من بركة، تثبت أن ما كانوا يطالبون به مستحق وضروري.

 والناس في الحقيقة صبرها بدأ ينفد، وهي لا تطالب سمو الرئيس وفريقه بالكثير، فكل ما يريدونه طرق خالية من الزحام والاختناقات المرورية طوال الوقت، وأسرة في المستشفيات تحتويهم حين يمرضون، ومقاعد دراسية لأبنائهم في الجامعات، ومنشآت رياضية تشغل أبناءهم بالصالح والنافع بدل "الفرفرة" بالطرق والمجمعات التجارية، ومصادر بديلة للدخل غير النفط تطمئنهم إلى مستقبلهم الزاهر، وقبل هذا وذاك مساكن تؤويهم وترحمهم من لهيب الإيجارات التي تستنزف معظم رواتبهم، فهل هذا كثيرعلى حكومة "طفحت" خزينتها بالفوائض المالية طوال السنوات العشر الماضية؟!

يا سمو الرئيس، المواطنون تعبوا من الأداء الحكومي السيئ، ويريدون أن يفرحوا ولو بإنجاز بسيط على يدكم، يا سمو الرئيس، الكويتيون يحبون أسرة الحكم ويجلون أشخاصها منذ زمن بعيد، لكن رصيد المحبة هذا، وأصدقك القول، بدأ يتناقص يوما بعد يوم بسبب الإحباط واليأس من أداء حكوماتكم المتعاقبة.

وأخشى أن يأتي يوم، ربما يكون قريبا، تصبح فيه القناعة الشعبية عارمة وتامة بوجود رئيس للوزراء من خارج أسرة الحكم، وهي خطوة لا يعلم إلا الله مدى انعكاسها السلبي على وطننا واستقراره، فمن أجلكم، ومن أجلنا، ومن أجل الكويت، اعملوا شيئا يسر خاطرنا ويسعد نفوسنا، ويجعل الصغير والكبير يرغب في استمراركم في إدارة شؤون البلد... إلى الأبد!