وسط ترقب محلي وإقليمي لنتائج الانتخابات العراقية، لايزال العنوان الأبرز حول ما إذا كان رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي حاز أمس الأول دعما «غير رسمي» من إيران، سيتمكن من الوصول إلى ولاية ثالثة رغم الأزمات التي عرفها العراق خلال عهده.

Ad

أكثر الحقائق وضوحا وسط تضارب المبالغات بشأن نتائج الاقتراع التشريعي في العراق، وما سيعقبها من طعون كبيرة، هو ان فريق رئيس الحكومة نوري المالكي لم يحقق حلم الاغلبية الذي اعتمده طوال اسابيع كشعار انتخابي، مقابل معارضيه الذين رفعوا شعار التغيير السياسي، فأكثر التوقعات تفاؤلا لا تمنح للمالكي وحلفائه الا اقل من 100 مقعد، مقابل نحو 80 لخصومه الشيعة الذين يمتلكون تفاهمات مبدئية مع عدد اكبر من نواب الاحزاب السنية والكردية والعلمانية.

وفي المفاضلة بين الفريقين يبرز الرأي القائل إن كتلة "الأحرار"، التابعة لمقتدى الصدر، وكتلة "المواطن" التابعة للمجلس الإسلامي الاعلى برئاسة عمار الحكيم، يمكن ان تظلا متماسكتين، اعتمادا على عوامل كثيرة جرى اختبارها في اقتراع مجالس المحافظات العام الماضي، ومفاوضات تشكيل الحكومة المحلية التي انتزعت من المالكي حكومتي البصرة وبغداد، اضافة الى رغبة مرجعي النجف بصمود "تحالف الاعتدال والحوار"، مقابل محور المالكي الذي يعرف حاليا بوصفه داعية حرب يستخدم القوة المفرطة مع خصومه، ويخسر التهدئة التي يمكن رعايتها بالتسويات السياسية، وفي الوقت ذاته يخسر حروبه ولا يحقق انتصارات ميدانية بسبب تفكك الجيش وضعفه.

ويقول أصحاب هذا الرأي إن "محور المعتدلين الشيعة" متماسك اكثر من كتلة المالكي التي تمثل تجمع مصالح سلطوية، فحزب الدعوة كحاضنة متماسكة، ليس لديه الا 25 مقعدا، اي نحو ثلث ما يمتلكه تكتل المالكي المكون من تشكيلات عشائرية ومؤيدين لشركات مقاولات ومسؤولين تنفيذيين في حكومته. واذا كان ما يجمع هؤلاء حوله هو الحكومة ومغانمها، فإن الكتل ستكون عرضة للتفكك بمجرد اتجاه السنة والاكراد لدعم مرشح بديل يتبناه معتدلو الشيعة.

أما الاكراد فهم متماسكون قوميا، ينقسمون في كردستان لكنهم يتوحدون في بغداد، كما جرت العادة. الا ان التحدي الاكبر الذي يواجه معارضي المالكي، هو الكتل السنية الفائزة، التي يمكن ان تتفكك لاعتبارات عدة ابرزها عدم وجود احزاب سنية عريقة في الطليعة، ووجود معظم جمهورها في مناطق تحت رحمة الجيش ومذكرات الاعتقال الحكومية التي يتحكم بها المالكي ببراعة.

ولعل الخبر السعيد للمعارضة ان السنة المتصالحين مع المالكي تراجعوا كثيرا لصالح "متحدون"، التي يرأسها اسامة النجيفي، وقائمة اياد علاوي العلماني الشيعي الذي يكسر رتابة الاقتراعات ويحظى بأصوات كثيرة لدى الجمهور السني. فقوائم صالح المطلك المستعد للتحالف مع المالكي منذ انتكاسته في ٢٠١٢ ووزير الدفاع سعدون الدليمي وآخرين ممن يعملون مع السلطة، لم تقدم اداء جيدا، رغم ان ظروف حرب الانبار منحتهم تسهيلات كثيرة وأضعفت خصومهم.

لكن تقدم "متحدون" وعلاوي وحصولهما على ما مجموعه 50 مقعدا حسب التقديرات الاولية، لا يعني ان هذا الرقم يمكن ان يصمد كثيرا، حين يبدأ المالكي باستخدام اوراق الترهيب والترغيب، التي تمرن على التعامل معها في تجربة سحب الثقة قبل عامين، فحين حشد علاوي والنجيفي 90 نائبا من انصارهما لصالح خلع المالكي، راح الاخير يحرك عرابيه للضغط على هؤلاء، ما ادى الى تراجع نحو ٢٠ نائبا عن تواقيع كانوا ارسلوها لرئيس الجمهورية يومذاك، تطلب إقالة رئيس الوزراء.

وذكر العارفون، الذين خبروا تشكيل أربع حكومات منذ سقوط صدام حسين، ان تنحية المالكي عبر تحالف خصومه الاقوياء يظل امرا صعبا، الا انهم يستدركون بأن بقاءه سيكون اصعب ويستتبع ثمنا اغلى، اذ قد يرضخ الاكراد والسنة لضغوط مختلفة ويقبلون بولاية ثالثة له، ثم يعجزون كما حصل سابقا عن التعامل مع مركزيته المفرطة، وعدم تحليه بالصبر الذي تتطلبه طقوس التفاوض داخل اعقد قصص الانقسام السياسي في الشرق الاوسط.

المفوضية

الى ذلك، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أمس ان اعلان نتائج الانتخابات قد يستغرق من 20 الى 30 يوما، مؤكدا أن المشكلات التي حدثت أثناء الانتخابات سيتم تجاوزها في المرحلة المقبلة.

علاوي

في غضون ذلك، أكد زعيم ائتلاف "الوطنية" إياد علاوي أمس وجود "توافقات" مع أطراف عديدة لرفض "الولاية الثالثة". وقال خلال مؤتمر صحافي عقده في بغداد: "هناك توافقات وليست تحالفات تصب في الشراكة الحقيقية".

وتابع علاوي: "تحدثنا مع زعيم المجلس الاعلى عمار الحكيم وهناك مواقف متميزة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وكتلة الأحرار أيضا وائتلافات مهمة أخرى، لكن يجب ألا تأخذ جانبا طائفيا"، موضحا أن "المذهب والدين هما جزء من هوية الإنسان وليس مدعاة للتفريق بين الناس، ولا نقبل أن يتشظى العراق ونحن ضد القوة التي تلتزم الجانب الطائفي".

واشار الى أن "اطرافا عديدة ترفض مسألة الولاية الثالثة" للمالكي، مؤكدا ان "توقعاتنا جيدة في نتائج الانتخابات"، داعيا مفوضية الانتخابات الى "اتخاذ إجراءات بخصوص المخالفات التي قد تحصل خلال عمليات العد والفرز".