يشهد عالم التقنية حالة من الانفعال والتوتر بسبب اتهامات بالعنجهية والغطرسة. وفي مقالة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" بعنوان "لدى وادي السليكون مشكلة عجرفة"، شجب فرهاد مانجو "مركب الاستعلاء" في هذه الصناعة وكتب يقول: "من أجل المصلحة الخاصة لوادي السليكون يتعين تحجيم نبرة الابتهاج بالنصر".

Ad

وربما استهدف مانجو من وراء مقالته توجيه تحذير ودي، ولكن ليس كل من في وادي السليكون نظر إليها على هذا النحو.

الشيء الذي أثار مقالة مانجو كان خطبة ألقاها المحاضر في جامعة ستانفورد، بالاجي سرينيفازان، الشهر الماضي بعنوان "الخروج النهائي لوادي السليكون"، واقترح فيها وجوب مغادرة صناعة التقنية للولايات المتحدة، وذلك بغية الهروب من الجهات التنظيمية التي تعطل التقدم، ولأن الأميركيين سوف "يحاولون في نهاية المطاف تحميل "وادي السليكون" مسؤولية الوضع الاقتصادي" رغم أن صناعة التقنية تمثل المصدر الوحيد الموثوق للثروة.

أنا أحب الجدل الجيد، واقتراح سرينيفازان يثير أسئلة مهمة. ولكن قبل أن ندرس أي واحد منها ثمة مشكلة مزعجة أخرى هي: ما الذي يجعل اقتراحه عنجهياً؟ ويبدو عبء جدال مانجو يتمحور حول أن سرينيفازان، مثل العديد من التقنيين الناجحين، معتد بنفسه إلى حد كبير. صحيح أننا نميل في هذه الأيام إلى استخدام كلمة "متعجرف" عندما نقصد "مغرور"، ولكن يوجد تعريف أقدم للكلمة قد يساعد في حقيقة الأمر في تحليلنا.

كانت ثمة فترة من الزمن عندما لم تكن كلمة متعجرف مترادفة مع كلمة متغطرس أو مختال- أي الشعور بالغرور من دون وجود ما يبرر ذلك. وفي هذا المفهوم القديم كانت الغطرسة تمثل مبالغة في تقدير المرء لقدراته.

خطايا العنجهية

وعلى سبيل المثال، هذا المعنى كان قد استخدمه المصلح جون برادفورد قبل وقت قصير من إعدامه في سنة 1555 عندما اعترف بذنب "الغطرسة". يومها كتب يقول: "لولا الغطرسة كيف كان لي، من بين كل التعساء، أن أتطلع إلى أعلى موقع ومهنة فوق سطح الأرض". كانت وجهة نظره أنه بالغ في قيمة نفسه بأكثر مما يستحق.

وفي حقيقة الأمر، يوجد تقليد قديم في اللاهوت بمساواة الغطرسة مع الإيمان الزائف بالذات. وتوجد أصداء للاستخدامات ذاتها في القرن التاسع عشر. وعلى سبيل المثال، كان من الشائع بالنسبة إلى أنصار القضاء على العبودية والاسترقاق الإشارة إلى الولايات التي تبيح الاسترقاق على أنها "متغطرسة"- ليس لأنها كانت متكبرة، بل لأن الإفراط في قوة نظامها كان من دون أساس.

مفهوم الغطرسة

قد يكون فهم الغطرسة إذن على شكل إيمان زائف متناقضاً مع الكبرياء والفخر المكتسب نتيجة الإنجازات الفردية. وحسب التعريف الأول في قاموس أوكسفورد للغة الإنكليزية، فإن تلك الكلمة تعني "صنع أو تضمين مزاعم لا مبرر لها حول الكرامة والسلطة أو المعرفة". والكلمة المهمة هنا هي "لامبرر لها".

وقد يبدو حائز ميدالية سباق 100 متر يقول إنه أسرع رجل في العالم معجب بنفسه، لكنه ليس متغطرساً. ونحن نذكر كلمات كاتب الخيال العلمي هربرت راسل ويكفيلد في روايته القصيرة الكلاسيكية بعنوان "بروفسور باونل أوفرسايت"، التي وصف فيها بطل لعبة الشطرنج بالقول: "إنه رائع، وهو يعلم ذلك، وفي وسعه إثباته، وذلك كل ما في الأمر".

وهكذا عندما يوصف تايغر وودز على أنه "أكثر لاعب غولف عنجهية وربما الرياضي الأكثر عنجهية على الإطلاق"، فإن التهمة لا يمكن أن تكون دقيقة ما دام أداء وودز يدعم موقفه. وقد يكون معجباً بنفسه أو يختال بها، لكن ما دام هو أفضل لاعب غولف في العالم فإنه ليس عنجهياً.

وعلى العكس من ذلك، عندما وصف الظهير الربعي في فريق واشنطن ريدسكينز لكرة القدم روبرت غريفين على أنه متغطرس، فإن الكلمة استخدمت في معناها المناسب بقدر أكبر: الفكرة هي أنه ليس بعد جيداً بالقدر الذي يظنه في نفسه.

ويعيدنا هذا كله إلى نقد مانجو الذي وجهه إلى "وادي السليكون"، وهو يلفت الانتباه إلى دعوة لاري بيج إلى اختيار مكان آمن من أجل محاولة خلق تقنيات جديدة ورأي بيتر ثيل الداعم لفكرة سكن البحار. ليس من الواضح ما إذا كان مانجو يعتبر أن هذا النوع من الأمثلة يعد في حد ذاته مشكلة عنجهية يعانيها "وادي السليكون". نحن نأمل ألا يكون الحال كذلك لأنها تبدو لي كنماذج لحلول ريادية ذات أبعاد تجارية مفيدة بقدر أكبر داخل وادي السليكون.

اختبار التقنيات

تعتبر فكرة اختبار التقنيات قبل تطبيقها في العالم جيدة. قد يكون التوجه إلى استخدام منصات داخل البحر لرؤية طرق جديدة للعيش لا يتوافق مع أذواق كل الناس، لكن هذه الفكرة تطرح للجدال إمكانية جديدة ومثيرة للاهتمام.

وفي ما يتعلق بسرينيفازان فإن خطبته لم تكن حول الانعزال أو الانفصال، وقد استند إلى أعمال الاقتصادي الراحل ألبرت هيرشمان للإشارة إلى أن حق الرحيل هو من الحقوق التي تكمن في قلب معاني الحرية والتقدم معاً. ويجادل سرينيفازان في أن الرحيل أو الخروج "يعني إعطاء الناس الأدوات اللازمة لتقليص نفوذ السياسات السيئة على حياتهم من دون أن ينخرطوا في السياسة: أدوات الرحيل بصورة سلمية". ويضيف "خلال العقد المقبل من الزمن سيكون من الحيوي تقليص أهمية القرارات السياسية والتنظيمية".

هذا التوضيح بشأن مبدأ التحرر دفع سرينيفازان إلى التوصل إلى نظرة معمقة حول وظيفة التقنية ودورها في المجتمع: "تزويد الناس ببدائل وخيارات". وتعد رؤية سرينيفازان المثيرة للجدل إزاء "مجتمع الخيارات" في مكان ما خارج حدود الولايات المتحدة بأنه حلم "وادي السليكون" الشائع والمرغوب بأشكال عدة.

ما من شيء في هذا ينطوي على غطرسة وفق المعني التقليدي للكلمة. وتعليقه حول التغير التقني وضع ضمن سياق لغة الاختيار، لا الحتمية. وهو يريد الانتقال إلى مستقبل معين، ولكن بخلاف العديد من المثاليين أو الحالمين، فهو لا يصر على وجوب مشاركة الكل في الرحلة.

مثالية وادي السليكون

هل يتسم وادي السليكون بالمثالية؟ إنه بعيد جداً عنها. هل ثمة الكثير جداً من الاختيال والزهو؟ ربما كان الحال كذلك. ولكن عجلة التاريخ تدور، والتميز التقني لا يعني بالضرورة تبصراً خاصاً داخل المستقبل.

أنا كبرت بما يكفي كي أتذكر فجر "وادي السليكون". ولم أكن قد تخرجت في جامعة ستانفورد قبل 40 سنة، عندما كانت جملة "عملاق التقنية" تعني شركة "هيويلت- باكارد". وعندما أخبرت مساعد التعليم في صف هندسي أن مشروعي الدراسي كان برنامجاً يحاكي آلة الكرة والدبابيس حذرني من أن ذلك سينطوي على صعوبة هائلة، حتى بالنسبة إلى مبرمج يتمتع بخبرة. وفي مرة أخرى، استمعت إلى حديث لواحد من كبار منظري تقنيات الذكاء الاصطناعي في العالم الذي قال إنه لم يشعر بالذنب، لأنه تلقى أموالاً من وزارة الدفاع، لأن العقد تضمن بناء ما كان كل من في الميدان يعلم استحالته بشكل عملي: برنامج سوف يفهم خطاب البشر.

قد تحب أو لا تحب وجهة نظر سرينيفازان، ولكن لا تصفها بالعنجهية. إنها فكرة لا أكثر: استفزازية، وحسنة التصور، وجذابة في صورة ما، ولكنها تظل مجرد فكرة. ومع تحول الولايات المتحدة بشكل متزايد نحو الداخل -وتراجع تأثيرها في العالم، وتضاؤل ثقتها في قدراتها الخاصة- فإن الأفكار المثيرة هي أكثر ما نحن في حاجة إليه.

Stephen L. Carter

*كاتب "بلومبرغ فيو" وبروفسور الحقوق في جامعة ييل، ومؤلف كتاب "عنف السلام: حروب أميركا في عصر أوباما" ورواية "اتهام أبراهام لنكولن".