تتزايد منذ فترة الضغوط على السلطة القضائية بسبب الكم الهائل من القضايا التي ترفع أمامها أو تحال إليها بسبب تغير مزاج الناس وطبيعة العلاقات بينهم، والمعاملات التجارية وتوسع المجتمع الكويتي وانفتاحه على العالم، واستقباله كذلك أعراقاً وثقافات مختلفة، إضافة إلى ما تشهده البلد من ظواهر جديدة من التحايل والتطرف في الحصول على الربح المادي، والسعي إلى الاستيلاء على حقوق الدولة والغير بكل الطرق الممكنة حتى لو كانت غير قانونية.

Ad

وبسبب ذلك تشهد مشاريع الدولة، وأيضاً مشاريع الجهات الأهلية والخاصة التعطيل أو التأخير أو حتى التوقف الكلي، بسبب النزاعات القانونية بين الجهات المالكة والمقاولين والمنفذين، وكذلك تأخر حصول أصحاب الحقوق على حقوقهم، بسبب نظر قضاياهم أمام المحاكم لسنوات طويلة دون البت فيها، وهي الثغرة التي يستغلها المتحايلون والانتهازيون للحصول على غاياتهم، عبر استغلال بعض نقاط الضعف في النظام القضائي لتحقيق مكاسب خاصة على حساب سمعة قضائنا العادل وإنجازاته المشهودة طوال السنين الطويلة الماضية.

الصفحة القضائية والقانونية المتخصصة في صحيفة "الجريدة" ناقشت منذ أيام سبب تأخر القضايا وتعطلها بإسهاب وحرفية، لكن لابد من الإشارة إلى أن الركن الأساسي في تأخر القضايا ليس سببه نقص الهيئات القضائية من مستشارين وقضاة، بل يكمن بشكل كبير في الجانب الفني الإداري الذي يلعب دوراً مهماً في حسم القضايا وسرعة إنجازها، لذلك فإن تقارير الخبرة الفنية المتمثلة في إدارة الخبراء في وزارة العدل بجميع أفرعها الهندسية والمحاسبية وخلافه هي مكمن سرعة الإنجاز للقضايا المتنازع عليها من عدمه، وتبقى القضية مهما كبر أو صغر حجمها في ملعب الخبراء بما يمتلكونه من قدرات لإيضاح جوانبها كافة، وبالتأكيد أن لإدارة الخبراء إمكانات محدودة مقارنة بمشاريع ضخمة هندسية أو منازعات لشركات استثمارية ومصرفية بالمليارات من الدولارات.

ولذلك فإن فكرة تأهيل مكاتب استشارية هندسية ذات خبرات عريقة ومكاتب تدقيق محاسبي ومالي معتمدة، أمر يجب أن يبحث لحل معضلة عدم تمكن الخبراء من سرعة البت والإلمام الكامل بالنزاعات المتراكمة، والتي يستغلها البعض لتحقيق مصالحه، بينما يتم تعطيل كل المشاريع في البلد بسبب استسهال بل ورغبة البعض في لجوء الطرف الآخر إلى القضاء للمماطلة في الوفاء بالتزاماته، خاصة أنه يرى في معايير الخبرة ربحاً له، فعلى سبيل المثال الخبرة تسعر متر البناء بما يقارب 150 ديناراً، في ما يمكن لمقاول أن يتلاعب ببناء المتر ليكلفه 90 ديناراً فقط بمواد بناء رديئة، وهو ما يدفع الكثير من المقاولين إلى التوقف عن البناء عند أو خلاف مع المالك، سواء كانت الدولة أو جهة أهلية، لأنه سيحصل على امتياز أفضل مما يستحقه عن طريق المحاكم، وهو ما لا يستطيع أن يمرره على مكاتب هندسية ذات ممارسة طويلة ومجربة في تخصصها.

لذا فإن مطلب دعم السلطة القضائية بجهاز فني مقتدر وفعال وسريع من خارج النظام الحكومي أصبح أمراً ضرورياً، لضمان سير العدالة وحقوق المجتمع والناس، وحتى لا تصاب الدولة ومشاريعها والتنمية بالشلل بسبب المثالب الكبيرة في حسم النزاعات، والتي تخدش أداء قضائنا المميز، خاصة أن العدل مرتبط دائماً بسرعة حصول صاحب الحق على حقوقه، ولذلك يجب أن يكون القضاء عادلاً وعاجلاً ليحقق تميزه وثقة الناس بأن حقوقهم محفوظة، لذا فإن خلق حلول لدعم إدارة الخبراء، الذراع المهمة للقضاء، ومعالجة بطء الأدلة الجنائية في حسم قضايا المطالبات المدنية، يجب معالجته بكل الوسائل الممكنة بشكل سريع وقاطع.