هل حسبتم حسابهم؟!
لا أحد يعرف على وجه التحديد عدد الكويتيين الذين ذهبوا إلى الجهاد في سورية، شخصياً أرجح أنهم بالمئات، معظمهم انضم إلى "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" و"داعش"، في حين انضم قلة منهم إلى "جيش بشار"، لا لقناعة في النظام أوعدالة قضيته، إنما عناداً بمن التحقوا بفصائل المعارضة، والأمر يبدو وكأنه فزعة طائفية، السنّي يذهب لنصرة السنّي، والشيعي يذهب لنصرة الشيعي، وعلى سورية والسوريين السلام، أو الحرب والدمار... إن أردنا الدقة!نعم، هذه هي الحقيقة، فمعظم هؤلاء "المجاهدين" لا علاقة لهم بمطالبات الديمقراطية والحرية والعدالة التي من أجلها قامت الثورة هناك، ولا تعنيهم في شيء، وما يهمهم هو إنشاء دولة إسلامية سنّية على حطام الدولة الشيعية التي يحكمها بشار، أو هكذا يظنون، مع الواقع يقول إن بشار هذا مثله مثل بقية الطغاة، لا تسأل سياط زبانيته عن دين أو مذهب من تضربه، فالأمر سيان بالنسبة إليه ما دام معارضاً له!
على أي حال، ليس كل من ذهب مجاهداً إلى سورية يشارك في القتال فعلياً، فبعضهم "مستجد" وتدريبه يتطلب بعض الوقت، لذلك تسند إليه مهمات أخرى غير القتال، لكن المؤكد أن عدداً ليس بالقليل منهم قد شارك بالفعل، والاثنان- المقاتل والمنتظر- في حالة تعبئة يومية بالأفكار الجهادية المتطرفة التي ترتكز في مجملها على قتال "الفرقة الضالة"، وهي تشمل- حسب فهمهم- كل الطوائف الأخرى، وأحياناً كل الفصائل غير الفصيل الذي يقاتلون تحت لوائه! والعملية مستمرة دون توقف، تذهب أفواج وتعود أفواج، ومعظم هؤلاء المجاهدين من صغار السن الذين يسهل قيادهم وغسل أدمغتهم، والخطر كل الخطر أن ينتقل هذا الفكر الجهادي التكفيري الطائفي إلينا في حال انتهاء الحرب وعودة المئات أو ربما الآلاف من المجاهدين إلى الكويت محملين بمشاهد العنف والدموية التي عايشوها هناك يوماً بيوم، ليجدوا أنفسهم دون شغل أو عمل، فأي ملل؟! وأي فراغ؟!وللأسف... نحن وحكوماتنا لا نتعلم من عبر الماضي وحوادث التاريخ شيئاً، ففي نهاية السبعينيات من القرن الماضي حين دخلت القوات السوفياتية أفغانستان، انهمرت الفتاوى من شيوخ الدين الذين لم يجاهدوا قط هم وأبناؤهم تشجع على الجهاد في أفغانستان وتدعو إليه، فهب الآلاف من الشباب لنصرة إخوانهم الأفغان، وحين انتهت الحرب وانسحب السوفيات لم يجد المجاهدون العرب ما يفعلونه هناك، فعاد بعضهم إلى أوطانهم ينشر أفكاره الداعية إلى القضاء على "الطواغيت" وإنشاء دولة الخلافة، أما البعض الآخر ففضل الذهاب إلى أي بقعة من العالم ليمارس هوايته في القتال، فمن البوسنة إلى الشيشان إلى الصومال إلى ألبانيا، ومن تبقى منهم فضل الانضمام إلى تنظيم "القاعدة" كي يفجر نفسه- وهو في طريقه إلى الجنة- في أي تجمع لأناس لا يعرفهم... ولا يعرفونه!فما أشبه الليلة بالبارحة، مع اختلاف بسيط، هو أن الليلة أكثر سواداً من البارحة، فالذين يذهبون إلى سورية لا ينوون قتال "الكفار" إنما قتال المسلمين أمثالهم، والعنف الطائفي هناك قد وصل حداً لم يصل إليه من قبل، والخطر كل الخطر أن يعود هؤلاء الشباب وهم مسلحون ليس فقط بفنون القتل والنحر والتفجير، ولكن بالفكر الطائفي التكفيري الذي يبرر قتل الآخر والقضاء عليه لمجرد أنه... مختلف عنه!والسؤال هو: هل فكرت حكومتنا في كيفية التعامل معهم؟ هل حسبت حساباً للأفكار التي سيرغبون وقتها في تطبيقها على أرض الواقع؟ هل لديها أي إجراءات لتقليص عدد الذاهبين إلى هناك ومحاولة تقليل الضرر الناتج ممن ذهبوا... أم أنها- كالعادة- تعيش غفوتها بانتظار حدوث الفعل على أرض الواقع، لتصدر منها ردود الفعل المرتجلة والمتشنجة بعد فوات الأوان؟!