لم تكن صدمتي والكثيرين طبيعية نتيجة الكلام الخطير الذي أطلقه الوزيران والنائبان السابقان جاسم العون ومعصومة المبارك، في لقائهما الأخير مع الزميلة جريدة الوطن، الذي كشفا فيه أن قانون مكافحة الفساد الذي أعده العون مع كوكبة من المستشارين القانونيين قد تم نسخه وأصبح مسخاً بلا حول ولا قوة، وهو "زبدة" كلامهما دون تفصيل وإطالة، شدة الصدمة سببها أنني وقطاعاً واسعاً من الكويتيين، الذين يرتجون الخروج من وضعنا الحالي من عنق الزجاجة وحالة عدم الاستقرار السياسي والانتقال إلى مرحلة الإصلاح، ترتكز آمالنا في تحقيق ذلك على قانونين رئيسيين هما مكافحة الفساد وكشف الذمة المالية، وما دام تم العبث بالأول وجعله مسخاً فإن تابعه "كشف الذمة" أصبح ذا إعاقة حركية دائمة! وسقطت معهما آمالنا جميعاً في فرج قريب لمشاكلنا الوطنية.

Ad

شخصيتان بوزن جاسم العون السياسي المخضرم، الذي عمل في أكثر من موقع في مؤسسات الدولة الدستورية، وعاصر أحداثاً مهمة – رغم اختلافي مع توجهه بخلط الدين بالسياسة - والدكتورة معصومة المبارك الأكاديمية والوزيرة والنائبة في البرلمان سابقاً، عندما يعلنان أن قوانين مكافحة الفساد ومحاربة دور المال السياسي المخرب قد عبث بها وأصبحت مسخاً بلا فائدة فإن البلد حقاً في أزمة كبيرة ومرحلة بالغة الخطورة، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه من فضائح فساد مالي - سياسي ستؤدي إلى انفجار كبير ربما لا يقدر أصحاب القرار اليوم مدى قوته وأثره المدمر.

فكلما تلاشى في البلد الأمل بحلول لمواجهة الفساد، وتنامى أثر المال في الحياة السياسية توجهت الأجيال الحالية والقادمة إلى التطرف، وبناء نزعة قوية لديها لمواجهات مختلفة ربما عنيفة وخارج أُطر المؤسسات الدستورية التي ستفقد كل ثقتها ومكانتها لدى قطاعات المجتمع، ولنا تجارب سابقة فقانونا حماية المال العام ومحاكمة الوزراء المخترقان بنصوص فضفاضة لم يؤديا إلى محاسبة أي مسؤول عن قضايا المال العام خلال الـ25 عاماً الماضية، ما أدى إلى فترات طويلة من القلاقل وعدم الاستقرار السياسي في الكويت التي ترتكز معظم قضاياها الساخنة والمحركة للشارع على فضائح الرشوات السياسية والاختلاسات والعمولات في المشاريع الكبرى التي تؤدي إلى تعطيل التنمية وتخلق الغضب الشعبي المتواصل.

ربما يعتقد قيادي أو مسؤول كبير أنه "داهية" بقدرته على إحباط محاولة الإصلاح عبر تشويه ونسخ قانوني مكافحة الفساد وكشف الذمة المالية، لكنه في الحقيقة وبفعلته تلك دق مسماراً جديداً في نعش الاستقرار بالكويت، وأنه يسرع دخول البلد في مرحلة غير محسوبة الاحتمالات ومهددة للاستقرار وللسلطة القائمة، وهي حالة حتمية لكل سلطة تهاونت في الإصلاح ومحاربة الفساد، وستكون ملامح تلك المرحلة مزيداً من الفضائح والمعارك بين أطراف الفساد المتنازعين على السلطة والمال، وعدم الاستقرار والفوضى والمواجهات التي ربما تعصف ببلد لديه كل الإمكانات ليكون منتعشاً ومستقراً.

***

للأسف هناك قراءات خاطئة للعديد من الأنظمة خاصة في الدول الخليجية لما يحدث من حولهم، ويعتقدون أن مرحلة التغيير العربية، أو ما أطلق عليه مصطلح الربيع العربي، الذي بدأ في تونس وامتد لدول عربية أخرى في ما بعد، قد انتهى وأصبح ماضياً، وهذا غير صحيح قياساً بكل حوادث التاريخ وحركات التغيير الشعبية، لأنها الموجة الأولى من التغيير في العالم العربي التي أحبطتها النزعات القومية والمذهبية والجهوية، واستغلال الإسلام السياسي للحراك الشعبي للاستيلاء على السلطة، وحتماً هناك الموجة التالية التي ستكون أكبر انتشاراً وأكثر نضجاً وأعمق في التغيير الذي ستحدثه في أوطانها إن لم تبادر الأنظمة إلى إصلاح نفسها وتلبية مطالب شعوبها.