اهتم فيني!
الحب هو أن نعرف كيف نهتم بمن نحب. من أهم القواعد التي لابد أن يبنى عليها بيت الحب العطاء، وقد تكلمنا عن ذلك في العدد السابق من هذه الزاوية، أما الأساس الثاني الذي لا بد أن يقوم عليه بيت الحب هو: الاهتمام، الاهتمام شرط أساسي لبقاء عمر هذا البيت طويلا، لابد أن يعبّر كل من يسكن هذا البيت عن اهتمامه بالآخر، وبطريقة لا يتصنعها ولا يتكلفها ولا يعتبرها واجباً.اهتمام تلقائي نابع من محبة، يُشعرك وكأنما تعتني بشيء منك، أو يعنيك، أو يهمك أنت بشكل شخصي، لا تنتظر شكراً أو مكافأة عليه من أحد. إن طريقة تعبيرنا عن اهتمامنا بالذين نحبهم من اهم المرايا التي تجعلهم يرون صورة حبنا لهم، فلماذا نحرمهم مشاهدة ذلك؟! لماذا نحرمهم هذه المتعة؟!
جملتنا الأثيرة هي: ولماذا نفعل ذلك، إن من نحبهم يعلمون ذلك!هذه الجملة بحد ذاتها دليل فاضح على أننا لا نهتم، بل إننا حتى لا نهتم إن علم من نحبهم باهتمامنا بهم أم لا!إذا كنت تعتقد أن التعبير عن اهتمامك بمن تحب ليس مهمّا، مع أنه بإمكانك أن تفعل فذاك يعني أن حبك يعني علّة كبرى!إلا أن الاهتمام سلاح ذو حدّين، قد يكون السكين التي تثخن قلوب محبتنا جراحاً لا تشفى مع الزمن، أو أن يكون حبل الرحمة الذي يرشدنا إلى جنة قلوبنا أبداً، ولكي يكون كذلك، هناك شرطان أساسيان لا بد من توافرهما لجعل اهتمامنا بمن نحب اهتماما يزيد من جمال حبنا، لا أن يكون كفين يخنقان أنفاسه: الأول: لا بد أن نترك لمن نحبهم حرية تحديد شكل هذا الاهتمام وتوقيته، وحتى طريقة التعبير عنه، مهم جداً أن يكون هذا الاهتمام على مقاس حاجة من نحب من هذا الشعور، ولا يجوز لنا تحت أي حق أن نحدد حاجة هذا الآخر من الاهتمام، ومن المضحك أن ندّعي أننا نعرف حاجته أكثر منه، اذ ان هذا الادعاء بحد ذاته مستفز.الشرط الثاني: ان نؤمن أن قليلاً من الاهتمام المتصل، خير من كثير منفصل، وفي كل خير!بعض سلوكياتنا في الاهتمام ما هي إلا محاولة مستمية لسلب من نحب إنسانيته بحجة اهتمامنا به!كلنا ندّعي اهتماما بمن نحبهم، وقد نكون صادقين فعلاً، ولكن للدرجة التي تخنقهم، أو تشعرهم بالأسر، أو للحدّ الذي يقنعهم بأن الاهتمام نقيض للحرية!مثل هذا النوع من الاهتمام يجعل البعض يفر من هذا الفخ، وهذا طبيعي، فيغرق في علاقات حب عابرة، وغير مستقرة، لا تترك زهرة في القلب على مر الزمن، ولا وشم فرح بين الحنايا.الاهتمام يعني لدى البعض التدخل بكل صغيره وكبيره في شؤون من نحبهم!لابد أن نعطي من نحبهم جزءاً مستحقا من خصوصيتهم في حياتهم، حتى ولو كان من نحبهم هؤلاء أزواجنا أو حتى أولادنا، هذا الجزء مستحق لهم، وليس هِبَة من محبتنا، ولا منحةً من قلوبنا، هذا جزء مستحق لإنسانيتهم!