ساد عقب الاستفتاء على الدستور في مصر خدعة مفادها أن الذين خرجوا للمشاركة في الاستفتاء كانوا من السيدات وكبار السن في حين قاطع الشباب، لأنهم غاضبون من الموقف العام ولديهم إحساس بأن جيل الآباء يسرقون الثورة، كدت أن أكون من المخدوعين بما تم الترويج له عقب الاستفتاء بمسألة امتناع الشباب وغيابهم عن المشاركة، وتفنن البعض في إيجاد أسباب لهذا الغياب، فمنهم من تحدّث عن السلوك الذي بدا من العديد من المنصات الإعلامية التي وجهت اتهامات إلى هؤلاء الشباب بعد 30 يونيو، وكشفت ارتباطاتهم بأطراف غير مصرية، هذا الكشف عن هذه المعلومات أدى إلى حالة من النفور لدى قطاعات من الرأي العام من هذه المجموعات، وساد بينهم الشعور بأنهم مرفوضون من قطاعات مهمة من المجتمع، حيث لم يجدوا لهم مكاناً بعد أن تكشّفت بعض ملامح ما حدث من قبل، اعتبر البعض أن هذه الحالة قد أدّت إلى عزوف البعض من هؤلاء.

Ad

البعض الآخر تحدث عن التخوّف الذي ساد من وجود مقدمات عودة إلى نظام قديم يخشى فيه هؤلاء على أنفسهم، والبعض الآخر تحدث عن علاقة "صفرية " بين 25 يناير و30 يونيو ينفي فيها أحدهم الآخر، وبدا كل هؤلاء يدللون بموقف هنا وتصريح هناك على صحة ما يدّعون، يبدو أن هذه الحالة قد لاقت صدى لدى قطاعات متعددة من المتابعين وفي الدولة، لكن الحقيقة أن هذا الغياب المزعوم لم يكن موجوداً إلا في أذهان الذين يروِّجون له، فالمتابع والقارئ لنتائج الاستفتاء سيجد أن نسبة الشباب المشاركين كانت طبيعية جداً، لكن الملاحظ أن أصحاب الصوت العالي منهم هم الذين غابوا، وعندما أتحدث هنا عن الشباب فإنني أقصد بهم الفئة العمرية، ولا أقصد هنا أصحاب الصوت العالي فقط، بل أقصد الشباب الذين يدرسون والذين يعملون والذين يقفون في طوابير البطالة يبحثون عن عمل، هؤلاء هم الشباب الحقيقيون وليس الذين يمتلكون قدرات صوتية ومنصات إعلامية ويحتلون مساحات في مواقع التواصل الاجتماعي، لأننا إذا ما سلمنا بأن هؤلاء هم الذين يمثلون الشباب فإننا بذلك نؤسس لظاهرة احتكارية جديدة قوامها هذه المجموعة ذات الصوت العالي، بحيث يضعون قواعد ومعايير الصلاحية والشرعية في أي موقف هو مشاركتهم من عدمه، هذه المجموعة من الشباب غابوا لإحساسهم بأنهم يفقدون أرضيتهم ومصالحهم فقرروا الانتقام، لكن الحقيقة كما ذكرت أن الخلل هنا في اعتماد هؤلاء كقوة مانعة أو دافعة لأي تحرك في المستقبل، فإن قوة الشباب الحقيقية هم أولئك الذين يقفون في مواقع عملهم أو مواقع دراستهم أو أولئك الذين يقفون في طابور الباحثين عن العمل، وليس هؤلاء الذين اعتبروا الصوت العالي والأسلوب الاحتكاري للتعبير عن مطالب الشعب هو الطريق.

دعوتُ من قبل إلى نبذ الخلاف، ومازلت أصرّ عليه، ولكن بشرط أن يكون ذلك بدون تنازلات على حساب الأغلبية التي بدأ جزء منها يتحصّن بالصمت بعد أن ساد شعور لديهم أنه قد يضحك بهم وبرغباتهم من أجل إرضاء بعض ممن يثيرون هذا القدر من الضجيج ويستخدمون غيابهم كفزاعة يخوفون بها من يعترضهم، هذه الحملة ذات الصوت العالي دفعت أطرافاً متعددة في الدولة وفي الإعلام إلى الاندفاع نحو إرضائهم، وهو الأمر الذي بدا كأنه مراضاة لتيار على حساب آخر، فلاحظنا أن بعض هذه الأصوات المسؤولة والإعلامية بدأت عملية نفاق لأصحاب الصوت العالي في محاولة لكسبهم مرة أخرى، وشمل هذا النفاق أشخاصاً عليهم العديد من الملاحظات في أدائهم خلال الفترة الماضية، هؤلاء الذين يقومون بدور النفاق لهذه القوى الصوتية لا يعلمون وهم يسلكون هذا السلوك أنهم يخسرون مرتين، مرة عندما يخسرون تياراً كبيراً له ملاحظاته وتحفظاته ولكنه لا يملك صوتاً عالياً، هؤلاء ستتحول مواقفهم إلى مواقف غير داعمة في حدها الأدنى، وسيخسرون مرة أخرى قطاعاً كبيراً من الناس الذين يصيبهم الارتباك من تناقض المواقف فيقررون الخروج من معادلة الفعل ليحتموا خلف حوائط الصمت، وهنا تعود ما اصطلح على تسميتها بالأغلبية الصامتة إلى التكوّن مرة أخرى بعد أن نجحت ثورة المصريين في يونيو في إخراجهم من دائرة الصمت إلى دائرة الفعل، على من يديرون مصر في هذه المرحلة أن يدركوا أن البلد في حاجة إلى التقدم إلى الأمام من أجل أغلبية المصريين الذين يريدون العيش بكرامة مرفوعي الرأس مستقلي الإرادة لا يحكمهم إلا صوت المصلحة الوطنية، لا الأصوات الزاعقة.