«دولة الرفاه»!
المشكلة تتمثل بأن يصدر التصريح من رئيس حكومة عجزت حتى الساعة عن تقديم برنامج عملها، ناهيك عن تقديم خطة التنمية المزعومة... واترك عنك البدء بتنفيذها، بل فشلت في تسيير وإنجاز أغلب إن لم يكن كل المشاريع القائمة، هذا وهي في معزل تام عن أي معارضة أو عراقيل من مجلس الأمة.
أكتب هذا المقال "الباين من عنوانه" مع الشعور برتابة قاتلة نابعة من إحساسي بأننا صرنا نكرر ذات الموضوع، ونوجه ذات الانتقادات إلى حكومتنا دون أن يهز الأمر شعرة فيها أو يحرك لها جفناً، ولا أدري أهو عدم الاكتراث أم اللامبالاة أم البلادة أم عدم شعورها مطلقاً بأن هناك ما يستدعي الانتباه والنظر؟لكن لعل استمرارنا في الكتابة عن المسألة نفسها راجع لأن هذا هو قصارى ما بيدنا من موقعنا ككتّاب في الصحافة، وربما كذلك لأن الحكومة لا تتوقف عن مفاجأتنا بين وقت وآخر بحكاية مستفزة لا نملك أمامها إلا أن نكتب، وآخر هذه الحكايات تصريح رئيس الحكومة بأن "دولة الرفاه انتهت"!
لا أعتقد أن تصريح سمو رئيس الحكومة تصريح عشوائي غير محسوب العواقب أو خالٍ من الدلالة، لأنه إن كان كذلك فهذه كارثة ثلاثية الأبعاد. الرجل بمنزلة الرئيس التنفيذي للدولة وكلامه حين يصدر لا يصح أن يحتمل اللبس أو التأويل، فحين يقول الرجل إن "دولة الرفاه قد انتهت" فهذا يعني أن حكومته مقبلة على إجراءات مالية واقتصادية وإدارية حازمة حاسمة صارمة للتعامل مع هذا الأمر الجلل. المشكلة تتمثل بأن يصدر التصريح من رئيس حكومة عجزت حتى الساعة عن تقديم برنامج عملها، ناهيك عن تقديم خطة التنمية المزعومة... واترك عنك البدء بتنفيذها، بل فشلت في تسيير وإنجاز أغلب إن لم يكن كل المشاريع القائمة، هذا وهي في معزل تام عن أي معارضة أو عراقيل من مجلس الأمة، بل هي مشكلة كبيرة حقاً حين يصدر التصريح من رئيس حكومة لا تزال تقوم بتأجير أراضي الدولة لكبار التجار بمئة فلس للمتر، ولم تتوقف خلال الأشهر الماضية عن صرف مليارات الدنانير وتوزيعها حول العالم شرقاً وغرباً تنفيذاً لأجنداتها السياسية.بعضهم وعند صدور تصريح الرئيس قاموا بإظهار سجلات المصروفات الباذخة لمكتبه على مشتريات رأوا أنها تافهة كألبومات صور وبشوت وتأجير سيارات وما شابه، لكنني لن أتوقف عند هذا، فتلك الدول الخليجية التي يتغنى الناس اليوم بنجاحاتها وتقدمها لو نحن تمكنّا من الوصول إلى معلومات عن مصروفات مكاتب كبار مسؤوليها لوجدنا ربما ما يشابه هذا البذخ، إلا أن هذا ليس هو المحك، بل المحك هو ثمرات سياسات الحكومة وإنجازها لمشاريع التنمية والتطوير والتقدم في بلدانها، وهو الأمر الذي فشلت فيه حكومتنا "الرشيدة" فشلاً ذريعاً منذ زمن بعيد.مجلس الأمة، بأي هيئة هو عليها اليوم، والجمعيات المهنية الاقتصادية المتخصصة وعموم القوى السياسية، بل الشعب الكويتي كافة، هم اليوم أمام مسؤولية على قدر عال من الحساسية، وهي ألا يمر تصريح الرئيس مرور الكرام فيتم التصدي له، مدركين تماماً أن التصريح ما هو إلا مقدمة لما سيأتي بعده من إجراءات حتماً ستكون ضد مصلحة المواطن في ظل الهدر والعبث وضعف الأداء الحكومي الذي ما عاد يخفى على أحد!