فجر يوم جديد: {المُلحد} !

نشر في 07-03-2014
آخر تحديث 07-03-2014 | 00:01
 مجدي الطيب تُحسن الرقابة صنعاً عندما تمنح الأفلام المثيرة للجدل ترخيصاً بالعرض التجاري العام؛ لأنها تفوت الفرصة على أصحابها في المتاجرة بقرار المنع، وتقديم أنفسهم للرأي العام بوصفهم شهداء الحرية والإبداع وأفلامهم ضحية القهر والمصادرة!

 حدث هذا مع فيلم {أسرار عائلية}، الذي أقام مخرجه هاني فوزي الدنيا ولم يقعدها بحجة أن الرقابة صادرته، ومارست وصاية على صانعيه، ونجح في إيهام الجميع من حوله بأن الفيلم سيمثل، في حال تراجع الرقابة عن موقفها المتعنت، فتحاً جديداً في ما يتعلق بالقضايا التي تناقشها السينما المصرية، وفور أن عُرض، بموافقة لجنة التظلمات، كانت الصفعة المدوية المتمثلة بانصراف الجمهور، واستياء النقاد، ثم كانت صدمة فشل الفيلم في تحقيق الإيرادات المتوقعة. حتى إنه لم يحقق طوال شهر بأكمله سوى 270 ألف جنيه مصري!

 ما حدث ينطبق على فيلم «المُلحد»، الذي أشاع منتجاه ومخرجه أنهم تلقوا تهديدات أثناء التصوير، وبعد تحديد موعد طرحه في الصالات زعموا أن أصحاب دور العرض امتنعوا عن استقباله، بحجة تلقيهم تهديدات من {المتشددين}، ولأنني صدقت تصريحاتهم، وخشيت أن يُرفع الفيلم من الصالات، هرعت لمشاهدته، وفوجئت بأنني حيال تجربة تغلب عليها المراهقة الفكرية، والبلاهة السينمائية، ولم تبلغ درجة الوعي الذي اتسمت به أفلام تعاملت مع قضية الله والوجود، والبحث عن الذات الإلهية بشكل أكثر حصافة ورصانة، مُقارنة بفيلم {المُلحد}، الذي شاب رؤيته الكثير من الاضطراب والتخبط، بدرجة لا تدري معها إن كان الفيلم يبحث في حقيقة الوجود، ويُحذر من تنامي أعداد الملحدين أم يُندد بالدعاة الجدد كونهم يتاجرون بالدين، أم يهاجم الصحافة لأنها تضم تجاراً من نوع آخر، أم أن الفيلم، وهو احتمال قائم أيضاً، يُحذر من العواقب الوخيمة للتفرقة بين الأبناء!

 وضع كاتب الفيلم ومخرجه نادر سيف الدين يديه على هذه القضايا كافة دفعة واحدة، من خلال الداعية الإسلامي، الذي اتخذ من قناة فضائية منبراً لتعريف المسلمين بالسنن والفرائض، لكن ابنه {نادر} (لاحظ الاسم) يُعارضه، ويُبارك الهجوم الذي يشنه ضده رئيس تحرير إحدى المجلات، ويتابع سلوكه الفظ، وشططه في معاملة أفراد الأسرة، إلى أن يكتشف شقيقه أنه ارتدّ عن دينه، وصار مُلحداً!

صدمة عنيفة زلزلت والده الداعية الشهير، وأفسدت علاقته وشقيقه، كما تسببت في انهيار أمه، لكن الشاب يُرجع إلحاده، في أغرب تبرير من نوعه، إلى خيبة أمله في والده، الذي يقول في القناة ما لا يفعل في البيت، وحال بينه وبين الزواج من الفتاة التي أحبها بحجة أنها خادمة الأسرة ليس أكثر، فضلاً عن أنه دائم التفريق في المعاملة بينه وبين شقيقه، ويتاجر بالدين؛ فالمبررات أوهن من بيت العنكبوت، ولا يمكن أن تكون سبباً في ارتماء الشاب في براثن صاحب مدونة إلكترونية وظفها للتغرير بالشباب، ودفع بكثيرين منهم إلى الإلحاد، عبر ما يُشبه عمليات «غسيل المخ» التي تُشكك في النظام الإلهي وترفض الاقتناع بوجود قوة غيبية تحرك الكون!

اتسم الفيلم بغلظة على صعيدي الشكل والمضمون؛ فالأداء التمثيلي في أسوأ حالاته، والصحافي يتربص بالداعية، وكأن بينهما ثأراً قديماً، والمناظرات بين «الملحد» و»المؤمن» تحولت إلى ثرثرة عقيمة أقرب إلى السفسطة التي يستعصي على الجمهور البسيط فهمها، والمواجهة المنتظرة بين «المُلحد» ووالده «الداعية» لم يعد لها وجود، بعد موت الأب نتيجة مداخلة على الهواء فضحت حقيقة ابنه، ولم يكن الشقيق مؤهلاً لتفنيد حجج «المُلحد»، وصاحب المدونة، وتسببت المشاهد التي أعقبت مغادرة «المُلحد» منزل الأسرة، عقب موت الأب، في تحويل الأمر إلى كوميديا هزلية أو ميلودراما هندية؛ إذ هام الشاب على وجهه في الشوارع، وكأنه مجذوب، وبات يترنح ويفقد توازنه في كل مرة يُرفع فيها الآذان. وفي «مونولوج» غاية في القبح والركاكة يتطاول على الذات الإلهية، وداخل المسجد تزول الغشاوة قليلاً مع سورة «الرحمن» التي يتلوها شيخ المسجد، لكنه يكابر فيما يتراجع ويبدأ في تغيير قناعاته بمجرد التقائه «بائعة البيض» القانعة بوضعيتها والواثقة بكرم ربها!

 فشل السيناريو أيضاً في رسم شخصية «الداعية» بالشكل الذي يدفع إلى كراهيته، واستحق تعاطف المشاهد، بسبب تواضعه ودماثة خلقه، فضلاً عن كونه لا يمت بصلة إلى الدعاة الذين اتخذوا من الدين وسيلة للتربح، والتغرير بالبسطاء، ومن ثم انهار بناء الفيلم المعتمد على تحميل «الداعية» مسؤولية ما أصاب ابنه «المُلحد» الجاهل، المتغطرس، معدوم الثقافة وسطحي الخلفية الدينية. ومثلما قدم الفيلم أسباباً ساذجة للإلحاد، جاءت إصابة «المُلحد» بسرطان الدم بمثابة الخطأ التراجيدي الذي ينسف القضية بأكملها؛ فالشاب لم يعد إلى دينه نزولاً على فكر نجح في تثبيت إيمانه، وأضاء الجانب المظلم في روحه، بل عاد إلى صوابه خشية الانتقام الإلهي وتجنباً لمصير يجهله، ما يعني فشل صانعي الفيلم في رسم الأبعاد الحقيقية لظاهرة الإلحاد، كما فشلوا في تعرية ظاهرة الدعاة الجدد!

back to top