«وصفة تشي» ومصير الإصلاحات في الصين

نشر في 17-01-2014
آخر تحديث 17-01-2014 | 00:01
ساعدت خطوات تشي الرامية إلى تقوية موقفه على إقناع المراقبين بأنه جاد فيما يتعلق بأجندته الإصلاحية، فمنذ انتهاء اجتماعات الجلسة المكتملة الثالثة للجنة المركزية، وبعد أن اتضح مدى إصلاحات تشي، أشاد العديد من المراقبين الصينيين به كأفضل قائد إصلاحي منذ دينغ.
 بروجيكت سنديكيت تقوم الحكومة الصينية بتضييق الخناق على الصحافيين الغربيين وتهدد بعدم تجديد تأشيرات صحافيين من "نيويورك تايمز" و"بلومبيرغ" انتقاما من تقاريرهم الصحافية عن فساد بعض كبار المسؤولين الصينيين. لقد كتب الصحافي في جريدة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان أخيراً رسالة مفتوحة للحكومة الصينية يخبرهم فيها أنه نظرا لأن أهم سبب لنهاية الأنظمة الصينية على مر التاريخ كان الجشع والفساد فإن من المرجح أن تكون فائدة الصحافة الحرة أكثر من ضررها.

أي إنسان يعتبر أن حرية الصحافة وحرية التعبير هي حق من حقوق إنسان عالمية سوف يتفق مع موقف فريدمان، لكن في الصين السياسة- بما في ذلك السياسات الحقوقية- تتشابك دوماً مع الاقتصاد.

لقد أعلن الرئيس الصيني تشي جينبينغ في الشهر الماضي إصلاحات اقتصادية شاملة في الجلسة المكتملة الثالثة للجنة المركزية، حيث حدد نظرته المستقبلية من أجل "النهوض العظيم للأمة الصينية". إن خطته التي تتألف من 60 نقطة تضم إصلاحات تتعلق بالسياسة المالية والقطاع المالي علماً أن تلك الإصلاحات تحدد أسعار الفائدة على القروض والودائع طبقاً لسعر السوق، وتسمح ببعض المشاركة من المستثمرين من القطاع الخاص في المؤسسات المملوكة للدولة، وتزيد من دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتخفف من قيود العمالة، وتفرض ضرائب على العقارات من أجل زيادة موارد السلطات المحلية.

إن هذا التبني المتجدد لمبادئ السوق الذي يذكرنا بالتحول الأصلي للرأسمالية من قبل دينغ شياوبينغ سنة 1979 يعتبر دواءً سوف يصعب على النخب المترسخة في قطاع الأعمال والحكومة تقبله. لو نجحت إدارة تشي- وهو أمر بعيد الاحتمال- فإن إصلاحاتها ربما تمكّن الصين من المضي قدماً في تحولها الضروري من اقتصاد يعتمد على الصادرات والاستثمارات الحكومية إلى نموذج نمو أكثر استدامة يعتمد على الاستهلاك المحلي.

إن المخاطر كبيرة، فالصين التي تمكنت من انتشال مئات الملايين من الناس من براثن الفقر خلال العقدين الماضيين يتوجب عليها الآن أن تجد طريقاً لتأمين تلك المكاسب وزيادتها بشكل تدريجي، وفي الوقت نفسه تدبير وسيلة ما لتحقيق نفس المعجزة لمئات الملايين من الناس الذين لم يستفيدوا حتى الآن من تلك المكاسب. إن للعالم مصلحة اقتصادية وسياسية وأخلاقية كبيرة في نجاح أجندة الإصلاح الصينية.

وفي هذا السياق، فإن من الأهمية بمكان فهم أن إصلاحات تشي الاقتصادية هي فقط أحد مكونات كوكتيل تم وضعه بعناية، أما بقية الوصفة فتنقسم إلى جزأين: الأول، يتعلق بالإصلاحات الاجتماعية التي تحظى بالشعبية؛ إنهاء سياسة الطفل الواحد للعديد من الآباء الصينيين وإلغاء نظام الاعتقالات الإدارية. والجزء الثاني، يتعلق بالقمع السياسي، فزيادة الرقابة وترهيب الصحافيين الأجانب مع سجن المعارضين وفرض قيود أشد على المعارضة تعد في حقيقتها جهد للتحقق من أن الاضطرابات الاقتصادية لن تتسبب في ثورة سياسية.

ومن أجل تنفيذ أجندته الإصلاحية الطموحة، قام تشي باتخاذ خطوات عدة من أجل تدعيم سلطاته الشخصية والبيروقراطية، فلقد قام بتخفيض سنوات عضوية المكتب السياسي من تسعة إلى سبعة مما يسهل الحصول على التوافق في نظام مصمم لإضفاء الطابع المؤسساتي على القيادة الجماعية، كما قام تشي بزيادة سلطات اللجنة المركزية التي يترأسها وأنشأ مجلسا جديدا للأمن الوطني.

من أجل فهم كيف سيخدم مجلس الأمن الوطني مصلحة تشي على صعيد مركزية السلطات، يتوجب علينا أن ننظر إلى الولايات المتحدة الأميركية فبدون مجلس الأمن القومي ومجلس السياسة المحلية لن يكون للرئيس الأميركي أي طريق روتيني من أجل التحكم في الأجهزة البيروقراطية المختلفة والتنسيق بينها. إن موظفي البيت الأبيض العاملين في مجلس الأمن القومي يدعون إلى عقد اجتماعات تضم مسؤولين من وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، ووزارة المالية، ووزارة العدل وغيرها من الجهات الرئيسة لاستعراض وجهات النظر خلال تلك الاجتماعات فيما يتعلق بسياسة معينة، لكن موظفي الرئيس هم الذين يوجهون الحوار للوصول إلى نتيجة ويحددون الخطوات القادمة الواجب اتخاذها.

ساعدت خطوات تشي الرامية إلى تقوية موقفه على إقناع المراقبين بأنه جاد في ما يتعلق بأجندته الإصلاحية، فمنذ انتهاء اجتماعات الجلسة المكتملة الثالثة للجنة المركزية، وبعد أن اتضح مدى إصلاحات تشي، أشاد العديد من المراقبين الصينيين به  كأفضل قائد إصلاحي منذ دينغ. طبعاً الزمن سوف يكون الحكم ولكن الاختلاف الرئيس بين سنة 2014 و1979 هو أن الكوكتيل الصيني اليوم ممزوج بالخوف.

لقد كتب إيفان أوسنوس في صحيفة "ذا نيويوركر" أنه قبل عامين وفي خضم الانتفاضات العربية خاطب مسؤول كبير اجتماع في بكين قائلاً إنه "لو أصاب الحكومة الصينية التردد والاضطراب في خضم انشقاق عالمي يحركه وسائل الإعلام الاجتماعي فإن الدولة سوف تسقط في الهاوية".

لقد كتب أوسنوس أخيراً عن قيام دبلوماسي صيني رفيع المستوى بتوضيح التهديدات بطرد صحافيي "نيويورك تايمز" و"بلومبيرغ" حيث قال "إن هدف نيويورك تايمز وبلومبيرغ لا يقل عن إزاحة الحزب الشيوعي عن السلطة ويجب ألا يسمح لهما بالاستمرار".

وإن الخوف هو أحد القوى الرئيسة التي تحرك أجندة إصلاح تشي، فالحزب الشيوعي يجب أن يبقي الاقتصادي الصيني في حالة نمو (حتى لو بشكل أكثر بطئاً) بينما يكافح الفساد المستشري ويتعامل مع طلبات المواطنين. ليس بإمكان المواطنين الصينيين التصويت ولكن بإمكانهم التعبير عن استيائهم مما يعني أن هناك ثمناً لما يطلق البيروقراطيون الصينيون عليه "المحافظة على الاستقرار".

لقد وصف ويل دوبسون مؤلف كتاب "منحنى التعلم للدكتاتور" الحكومة الصينية بأنها حكومة تكنوقراط تستمد شرعيتها من قدرتها على حل المشاكل بشكل فعال، وأضاف "عندما تعتمد شرعية النظام على أدائه فإن أي أزمة- وكيف يتعامل الحزب معها- يمكن أن تثير أسئلة وجودية عن حق النظام في الحكم".

يبدو أن القادة الصينيين يشعرون بالقلق من أن الصحافة الاستقصائية على الطريقة الغربية داخل الصين يمكن أن تؤدي إلى مثل هذه الأزمة، وعلى أي حال فهم لا يريدون أن يأخذوا أي مخاطرة، فهم واثقون من قدرتهم على تنظيف غسيلهم الوسخ وقيادة التغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من قمة الهرم إلى أسفله، ولقد أصبحوا الآن أقل استعداداً للعب طبقاً للقواعد والأحكام الغربية.

* آن ماري سلوتر | Anne-Marie Slaughter ، الرئيسة التنفيذية لـ«مؤسسة أميركا الجديدة»... ومؤلفة كتاب: «فكرة أميركا: المحافظة على الإيمان بقيمنا في عالم خطر».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top